بقلم : بيزيد يوسف .
قيل عن السياسة و الساسة الكثير و الكثير ، و على الرغم من ايجابياتها و ربما كثرة سلبياتها إلا أنها بلية و شر لابد منه كما يقال ، و خاصة إن كانت هادفة و تعمل على ترسيخ قيم و مبادئ العدالة و الدولة و المصلحة العامة ، و لكن عندما تتحول السياسة إلى نوع من ممارسة " التبلعيط" و المصلحة الشخصية فإنها تغدو دون شك فن مخادعة و مراوغة و بزنسة في كلّ شيء .ذلك أن السياسة الحقيقية أصبحت علم مدروس له ميكانيزماته و آلياته و معاهده ، و بالتأكيد تقاليده التي تستند إلى أدبيات و نظريات ممنهجة و التي أتذكر الكثير منها عندما كنت أدرس العلوم السياسية أيام الجامعة ودرّست بعضها لاحقا ، وقد أدركنا دون شك أنها بحر لا حدود له ، غير أنها أضحت في بلدان العالم الثالث و منها الجزائر مجرّد نظريات بل و حبر على ورق لا يجد لنفسه مخرجا و ربما في" المجتمع السوفي " كذلك . لأن المرء عندما يدخل المعترك السياسي يجد أشكالا و أنماطا غريبة عجيبة من الممارسات السياسية و – فاعلون- مفتعلون لا علاقة لهم إلا بالتبزنيس في كل شيء- باستثناء النزر اليسير من النزهاء - ، و لأن ميكانيزمات سيرورة الحلبة السياسية تغيرت و تشكلت وفق آليات و معطيات جديدة نابعة من ضمير و واقع هذا المجتمع و أصيحت مقولبة فيه ، فإنه لا غرابة أن يجد المرء الكثير من المحبطين دراسيا وممن فشلوا حتى في الوصول إلى مستويات دراسية متوسطة أو عالية و ممن عرفهم الناس بصفات غير حميدة و لربما فريق من المتثيقفين الجدد الذين يدعون أنهم يحيطون بفنون " القفزة " قد صاروا بقدرة قادر بين عشية و ضحاها منظرين و ممتهنين لحرفة القائد السياسي الذي لا يقارع ، و الغريب ليس فقط في التكوين النظري بل كذلك في مستويات الممارسة ، فبين الفينة و الأخرى نجد من يتصدر الجميع في المعترك السياسي – فيصبح زعيما لهذا الحزب أو ذاك و لربما من أجل مصلحته تنتقل لغة الخطاب السياسي لديه من فن دبلوماسية و السياسة في التعامل إلى لغة اللكم و الشتم و قرع " الهراوة " لأنه باختصار فوق الجميع ، و هم ممن يصلون إلى تمثيل شرائح عديدة في المجتمع و تمثيل المواطنين في مختلف المجالس ، مدركين أنها فرصة لا تعوّض للوجاهة و السطو على المال العام ، و هي مرحلة لضمان مستقبل واعد ليس سياسيا فحسب إنما ماديا كذلك ، لأنه و ببساطة دخلت فئات جديدة لا تعي من العملية السياسية إلا المنصب و التشريف و تظهر في الحملات الانتخابية و كأنها – جراد منتشر- ، تتبعهم – الزرنة و البندير و الحضرة و البارود - و تحضر كل المجالس مرتحلة هنا و هناك ، و سرعانما تختفي بعد جني المغانم و أكل الولائم من موائد الأيتام و لا تظهر إلا في المناسبات ، و الأحزاب بالنسبة لهم مجرد حقائب مغلقة و أختام مطلسمة في يد ثلة أنعم الله عليها دون الخلق كله بهذا المغنم ، و في لمح البصر تظهر أحزاب مجهرية –ميكروسكوبية - بكل شكل و لون و مرشحون مجهولون لدعم هذا الحزب أو ذاك أو هذا المرشح أو ذاك بمقراتهم و آلياتهم ، و تختفي بعد وهلة لغاية أو لأخرى لتظهر عند كلّ معترك جديد، و الكل أصبح يفقه هذه اللعبة الجهنمية و التي هي فرصة للحصول على أموال الحملات الانتخابية و لتبييض الصورة لدى السلطة و تحسين السير الذاتية وغيرها من المآرب ، و لكن دون ريب ليست فرصة لمحاسبة الذات و مراجعة البرامج – لأن الحملات تجب ما قبلها – و لأن آليات ممارسة الرقابة غائبة و مغيبة من ذهنيات المجتمع المدني ، وليس غريبا أن تتجدد نفس الوجوه في كل مرة بنفس الشعارات و الأخطاء و الإخفاقات .
هكذا قال لي صاحبنا و هو يحدثني بشجون و مشاعر صادقة و كأن أعماقي كانت تحدثني بما قال عن هذا الواقع المؤلم و عن هذا النوع من السياسيين و الذين تحول الكثير منهم على الرغم من اختلاف مشاربهم السياسية إلى آلة ميكانيكية جامدة حد الرتابة و التبلّد الذهني و السلوكي ، هذه الفئة التي تعتقد أن نقد الذات و لفت انتباه الآخرين و ربما الاستفسار من مسئولين سواء منهم النزهاء أو الفاسدين و ما أكثرهم على حد تعبيره ، لا أهمية له ، و هؤلاء هم من امتهنوا حرفة جديدة- قديمة يطلق عليها مرتزقة السياسة و التي تقرّر نيابة عن مئات الآلاف من المواطنين و منهم من ينوب عن ملايين المواطنين باسم آلية الديمقراطية – التي يفهمونها بحسب ما تقتضيه مصالحهم - و التي امتطاها البعض لتحقيق مصالحه الشخصية و ربما بطريقة أو بأخرى دون الحديث عن التصويت اعتلوا هذه المناصب فمنهم بـ " بشكارة الدراهم "و منهم " بالتزوير " منهم بـ و بـ ..
و أضاف صاحبنا بربي عليكم ..الكثير منهم لا يجيد إلا الخطب ، إما إن يكتبها لغيره أو تكتب له أو أن يلقيها نيابة عن الآخرين لأنه يتقن فن التمثيل و الحماسة المفرطة حد الخيال و التفاهة في المحافل و التي تستهوي الكثيرين و بحضور " بريستيجي "، نعم قال لي هذا الشخص تعرفه إنه : "....". و ما أكثر الأسماء حين تعدها ،و منهم من لا يجيد إلا رفع الأيادي للتصويت ،، دون أن يمعن التفكير أو النظر أو يستند إلى قوانين أو مرجعيات ، مع أن الدولة وفرت له كل الإمكانيات المادية المتاحة و أدنى راتب للنائب الواحد في البرلمان 35 مليون سنتيم ، و قس على غرار ذلك الصلاحيات الممنوحة لهم و لغيرهم من المنتخبين المحليين ، و مع أن بعض الدول في برلماناتها يوجد بها نواب الواحد منهم يساعده قرابة المائة أو أكثر من المستشارين لدراسة بعض القوانين و مراجعتها قبل التصويت عليها إلا أنّ الحال لدينا مختلف تماما ، و هذا هو الصنف الأول من منتخبينا .
أما الصنف الثاني فهم ممن انتقلوا إلى المجتمعات الارستقراطية فكرا و ممارسة ،على أن ماضيهم و ماضي أسرهم يختلف تماما بحكم أن المجتمع الجزائري كان يعيش فترة الاستعمار الذي فكّك الكثير من البنى الاجتماعية و الثقافية و قد أصبح المجتمع بعد الاستقلال ينعم بالحرية و المساواة ، و ربما الأغرب أن البعض منهم مرشح عن طبقات كادحة ، و التي تعرف عندهم فقط عند الحملات الانتخابية .و ياليت الحملات تكون شهريا أو يوميا حتى تفتح أبواب هؤلاء الموصدة .
أما الصنف الثالث فلا يرى في نفسه إلا صورة المنفّذ لقوانين – السلطة - ،، لا الدولة و التي هي أعم اصطلاحيا من السلطة كونها –أي الدولة - تشمل سوسيولوجيا : الإقليم و الشعب و السلطة . هذا الصنف الذي يتناقض حتى مع مبادئ حزبه و منتخبيه في سبيل إرضاء السلطة الإدارية و يتحول من هيئة استشارية و تشريعية و رقابية و ربما من معارضة ، من المفترض أن تعبّر عن أراء المعارضين إلى سلطة تنفيذية موالية ، و عندها تنتفي قيم الفاعلية السياسية و تصبح الديمقراطية لعبة في أيادي هذه الأصناف .
كم من الوعود الانتخابية ، أنجزت و كم وقف هؤلاء على متابعة المشاريع التنموية و كم من مرّة طرحوا القضايا العامة للمجتمع و ناقشوها بحرارة و حرقة و نقّبوا و بحثوا عن النقائص و عالجوها ؟.
فتجد همّ هذا المسئول الفاسد في جيبه أو بطنه أو مصلحته الخاصة أو ما لا يليق المقام لذكره ، و لا يفقه من الأدبيات السياسية أو النقابية شيئا و يكاد يكون في عداد الأميين ثقافيا و سياسيا إلى درجة اللامعقول .
و حديث صاحبنا هذا واقعي و ربما كان الواقع أشد مرارة ، و هو منطقي و علمي ، نظرا لمستوى التخلف السياسي و الاجتماعي الذي يعمّ الكثير من مجتمعات العالم الثالث ، بيد أنّ الذي يزيد الطين بلّة أن الكلّ يعلم بهذا الواقع و في كل مرة تعاد الكرّة ،، و ينتقد هؤلاء و هؤلاء هنا و هناك ثم يعاد انتخابهم ،، ثم يديروا شؤون الدولة و الأمة .
و لقد كان من المفترض أن فئة هؤلاء من المنتخبين ذات أهمية كبيرة لما لها من سلطة في سنّ القوانين و المصادقة على المشاريع و خاصة التنموية منها ، و هم الصوت الحقيقي للشعب يحملون أماله و ألامه ..و يوجهون صيرورة رقيه و تطوره وان تترفع هذه الفئة عن الصغائر لأنهم في النهاية سيسجلون أنفسهم بأعمالهم الخالدة و مواقفهم الشجاعة من أجل المصلحة العامة ، عندها ،، نجد مجالس فاعلة تسير بكل قواها لا مجالس يقاطعها حتى من يمثلها من الأعضاء . و لكن هيهات ..هيهات
---------
الثقااااااااافة المعلبة : الحمار أولا ، المطرب
ثانيا ، الدكتور ثالثا
بقلم : بيزيد يوسف.
العالم الصناعي يحتل حياتنا و يجتاح عقولنا و أفكارنا و مخيلاتنا و حتى مشاعرنا
،فهل يستطيع أحدنا أن يستغني عن هذا العالم الصناعي ؟ ، بطيعة الحال ،لا.
لكن الأمر لن يتوقف عند هذه النقطة ، اذ قد يتحول إلى حالات مرضية في
المجتمعات ،عندما تصبح القيم الإنسانية و المقومات الثقافية تخضع لنفس
المعايير والتصنيف النمطي . و يصبح مفهوم التشيؤ هو الغالب ،و كل ما هو
قيمة روحية يباع و يشترى ، الشرف الكرامة و الحب و غيرها الكثير و الكثير
..
الثقافة كذلك أصبحت من ضمن هذه الأشياء و المسميات جسدا دون روح تخضع
لنــــــــــزوات و رغبات و مناسبات لا لمنطلقات و قيم و أهداف سامية،
فالثقافة التي لا تحركك حراك الثوار و لا تضرب في أعماقك ضرب الإعصار هي
ليست ثقافة حقيقية ، أنها مجرد (بريستيج) .. للتباهي و من صنع أناس قد لا
نعرفهم لأنهم هم دفق الحياة الحقيقيين انبعثت من معاناتـــــهم و
نضالاتهم المستمرة ثم تجسدت واقعا ..
ما زال الحفر و الغوص في تكوين مجتمع مثقف غائبا أو مغيبا ،، و قد لا
يعني الكثير لرجال السياسة و لا حتى للكثير من نخبة المجتمع و المثقفين ،
لأن الكثير يتعجّل قطف الثمار و لا يهمه الزرع و لا الحصاد ، يتلهف
النتائج دونما جد أو كد ، و يعتبر الجدال الفكري و الثقافي نوعا من العبث
وما يهمه (بريستيج -المظاهر و السلطة ) و التصفيق و التكريم ، أما أن
يمعن النظر و يخمّن و لو لساعة في منطلقات بناء أمته و مجتمعه فأمر مرفوع
للنظر .
أتذكر في مرّة التقيت في عرض أوبريت بدكتور يجتهد بكد للتنقيب عن الفكر و
الثقافة ، فأشتكى حاله قائلا : كم من محاضرة ألقيت على جميع الأصعدة و لم
يفكر أحد و لو لمرة من القائمين على الثقافة في تقديم و لو ظرف بسيط فيه
مبلغ من المال لتشجيعنا – يقصد معشر المحاضرين و الدكاترة و الأساتذة ،
بينما يغدقون بالأموال على فنانين أن صحّ التعبير ، يقصد المطربين - فما
بين الفن و الطرب بون شاسع – ثم قال : أصوات بعضهم نشاز ، و لكن المهم
الجمهور ، يغدقون عليهم الأموال و الأموال ) عجيب أمر هذه البلاد و شؤون
هؤلاء العباد.
و في المقابل قال لي أحد المطربين: ( هل تعلم انه في المسابقة بين
المطربين ،يقدم للفائز بالجائزة الأولى قيمة مادية و لكن جائزته أقل
أربع مرات من الفائز بجائزة أول حمار في سباق الحمير ) . فتبسمت و ضحكت
من سخرية الأقدار بكل شجن ، و ربطت العلاقة بين الدكتور و المــــطرب و
الحمار و اكتشفت أن المعادلة رغم عدم تجانس عناصرها ، إلا أنها تنم عن
فهم المجتمع و الدولة و السلطة لتقدير قيمة الأشياء ، فالحمار أولا و
المطرب ثانيا و الدكتور ثالثا .. فأين هي الثقافة من كل هذا ؟.،الثقافة
لا زالت صناعة معلبات تباع و تشترى كما تباع و تشترى السلع و دون مزاد
علني ، طبعا في الكواليس لتكريم الخلان و الأصحاب و من حالفهم الحظ ، و
لا قيمة لمعانيها فهي تستهلك لأرضاء حاجات آنية ..و بتاريخ صلاحية محدد
|