حواء ..نصف الدنيا.
حواء خلقت من ضلع اعوج من آدم و هو نائم كما قيل حتى لا يشعر بألمها فيكرهها بل ليحبها، و يخلق المرء من حواء و هي مستيقظة حين ولادته فتحس بألمه و لكنها تزداد حبا له ، و هو الفارق في لحظ الولادة و الانبعاث إلى الحياة بين الوعي و اللاوعي و بين الحب و الكره ، وهكذا.. لا يمكن لأي منهما أن يحيا على هذه البسيطة دون الآخر فكل منهما مكمل للآخر، و كذا هي الحياة، رغم الاختلاف في الأدوار و الوظائف الاجتماعية و الحياتية . و نحن في القرن الواحد و العشرين و على الرغم من التطور في المنظومة الفكرية و السياسية و الاجتماعية و التكنولوجية فإن الأدوار لا تزال تختلف من مجتمع إلى آخر و من بيئة إلى أخرى بحسب المنطلقات الفكرية و الاجتماعية و العقائدية و بحسب البيئات المحيطة غير أنها تتفق في الأساسي منها .
و على الرغم من تطور سايكولوجيا المرأة المعاصرة و منذ استقرار النظام الأسري فإن المرأة في حاجة إلى الحب و الزواج و الإنجاب و هي الوظائف الرئيسية التي خلقت لأجلها وعلى الرغم من تطور و تنوع أدوارها في الحياة المهنية و الاجتماعية . و باستحداث المنظومات القانونية و الحقوقية فقد استطاعت المرأة أن تتحصل على الكثير من الحقوق و استطاعت أن تحقق نوعا من الاكتفاء الاقتصادي و الارتقاء الاجتماعي مما يجعلها في الكثير من الأحيان تتحكم في مصيرها و مستقبلها ، و هو ما يمكن أن نسميه بالتطور البنيوي و التكويني في سيكولوجية المرأة و نظرتها للبيئة وارتباطها بسسيولوجية المحيط مما جعلها تصبح في مراكز قيادية و منها الرئيسة و رئيسة الوزراء في العالمين المتقدم و المتخلف من أمثال انديرا غاندي و مارغاريت تاتشر و اكينو و غيرهم الكثير و الطبيبة و المهندسة و ..و..و .
و هذا بحق يشكل نموا في البني العقلية و السيكولوجية لها و للمجتمع ككل ، و قد يكون هذا ناتج على النمط الثاني الذي يربط علاقة المرأة بالمجتمع و هو نمط التحدي و الصراع ، و هو عكس نمط الحب و الإنجاب ، و النمط الصراعي هو الذي جعلها تشعر بالندية مقارنة بالرجل و بالتالي أمكانية التحدي و تقلد المسؤوليات الكبرى التي كانت تعد حكرا على الرجل دون المرأة ، و هكذا استطاعت أن تتحصل على الكثير من الحقوق و الحريات .. و أصبحت عجلة التاريخ تحسب لها ألف حساب و قد كانت في زمن مضى لا تشكل أي أهمية إلا لكونها ضرورة جنسية أو المكملة لرغبات الرجل و حاجياته.
فقد كان الرجل قبل الإسلام أي في الجاهلية يتزوج بالمائة و أكثر و عندما يموت الرجل يرث ابنه زوجاته إلا أمه.. و كانت توأد البنت خوفا من العار ، لكن الإسلام أعطاها حقوقها و اعتبرها نصف الحياة الزوجية و الأم و الأخت و الزوجة و شريكة الحياة و النصوص القرآنية و الأحاديث الشريفة كثيرة و صحيحة مما لا يدع مجالا للشك في دورها و أهميتها التي أقرتها السماء قبل الأرض، و مع تطور القوانين و المذاهب الفكرية و السياسية تناول كل مذهب مفهوم و وظيفة المرأة و وضعيتها بحسب معتقداته و معارفه و تصوراته ، و قد نتج عن ذلك مفاهيم و تصورات عديدة منها ما كان ايجابيا ثمّن قيمتها الحقيقية ، و قد تحولت من أفكار و نظريات و معارف إلى ممارسات سلوكية انعكست على المناهج و الرؤى و التصورات إلى مناحي الحياة المختلفة و منه ما أعطى مفاهيم مغلوطة كان الهدف منه أن الرجل هو الوحيد الأوحد الذي يعطي الحقوق للمرأة كيفما يشاء و متى شاء ، و أن تكون أكثر تحررا لإرواء غرائزه الدفينة لتصبح المرأة من خلالها سلعة و بضاعة تباع و تشترى ، و تجارة رابحة في عصر التشيؤ ، بحيث تصبح مفاهيم الشرف التي ارتبطت في الكثير من مراحل التاريخ بالمرأة و الحق و الحرية و غيرها من القيم المقدسة عبارة عن أشياء مادية قيمتها الجوهرية تقاس بقيمتها المادية البحتة و من ثمة فإنها تباع و تشترى ، كما السلع و الأغراض و سقط المتاع.
و هي مجرد تحفة حينا أو متاع حينا آخر و كذلك جمالها ينطلق من قيمتها المادية البحتة و حتى ارتقاء معارفها لا يكون إلا لهذا الهدف . سمو جمالها الذي يروي ظمأ الرغبات و رقي مستواها العلمي لوظائف هيراركية لخدمة المجتمع لا لكونها لبنة لمشروع اجتماعي و حضاري ، يسمو إلى رقي حقيقي.
و هنا تنطلق عملية توظيف المرأة لأغراض سياسية تظهر تارة في شكل جمعيات مجتمع مدني و أخرى في تنظيمات مختلفة المناحي هدفها هيكلي بالدرجة الأولى لتشكيل مجموعات ضغط منها الهادف و منها العشوائي ، بيد انه تبقى قيمتها في مدى المنطلقات الفكرية التي تنطلق منها و تبقى آلية تكوين و تطوير المرأة إيديولوجيا و عقائديا و وظيفيا هي القيمة الحقيقية لها . لا التظاهر المناسباتي و كأن حرية المرأة تكمن في سهرات غنائية صاخبة و تجمعات حاشدة يكتب عليها للنساء فقط ، و بهذا تكون المرأة قد عبّرت عن فرحها الشديد و سعادتها و مكانتها الحقيقية و في الأخير و الآخر و بغية المنتهى عن معنى الحرية الحقيقية المطلقة و كأن ضوابط القيم و المجتمع و التقاليد و الأعراف قيود تكبلها لتتحرّر من عبوديتها ، و نعني هنا بالقيم و الأعراف و القيم القانونية و الشرعية التي تنظم حياة كل مجتمع و تتفق مع خصوصياته ، لا القوانين البالية و الواهية التي تريد أن تجعل من المرأة عبدا و إن تعددت الأسماء و المسميات و لذا فمفهوم قيم الحرية عند الغرب يختلف عن الشرق و نظرة المجتمع لها تختلف كما تختلف نظرتها هي إلى المجتمع و من ثمة يكمن جوهر الحكم على المفاهيم بطريقة علمية و منهجية لا بانطباعية أو تقليد دون مراعاة خصوصيات كل مجتمع عن الآخر، ، و قد تتخذ شكل المطالبات التي لا تهدف إلا إلى تحقيق أغراض آنية ..و يصبح مفهوم و قيمة الحرية عبارة عن مزايدة توظف بشكل ممنهج و دقيق . للضغط عن حكومات من قبل منظمات أو هيئات و أطراف دولية دون المرور بآلية ضبط ميكانيزمات للتكيف مع التغيرات الداخلية و الخارجية لهذه البيئة مما يؤدي إلى تناقض داخلي كبير في هذه المجتمعات و من ثمة إلى تصادم فكري و ثقافي قد يتحول إلى اجتماعي . و على الرغم من أن عجلة التطور العالمي في ظل العولمة و الشمولية يفترض التكيف مع المتغيرات الدولية إلا انه يفترض أن تتوأم مع التحولات الحاصلة في البيئات الداخلية لهذه المجتمعات .
حرية المرأة الحقيقية لا تتوقف فقط في تحررها من ضوابط اجتماعية أو تقاليد أو ممارسات و أشكال اجتماعية معينة في المظهر أو اللباس أو نمطية العلاقات انما تنطلق من تعميق و عيها الحقيقي بدورها في بناء المجتمع و الاضطلاع بأدوارها الرئيسية التي خلقها الله من أجلها تماشيا مع سنن الكون من جهة و مع عدم تجاهل قدراتها و عبقرياتها في العلوم و المعارف و قيادة المجتمع في كل مناحيه و دائما تبقى هي المدرسة الأولى و الأخيرة التي يجب أن تبنى عليها ركائز الانطلاقة الحضارية للأمة العربية و الإسلامية ككل و هي لبنة من لبنات البناء و التطور و التنمية ، بل البنية الأساسية ، لا أن تكون أداة لتوظيفها و أداة تحرّكها كيفما أريد لها دون وعي أو حراك ..
****************************
*- معادلة المرأة و المال –
قراءة في الخارطة الذهنية لرجل ..
بقلم : بيزيد يوسف
بقدر ما يرتبط اسم المرأة بالحب و المعاني السامية للوجدان و المشاعر عند الرجل، و خاصة في المراحل الأولى للحب و الخطوبة و تنبعث نبضات العاطفة و الأحلام و الآمال و يصبح كل منهما كالأعمى الذي لا يكاد يبصر شيئا و هو يهيم في نيران العشق و الهيام، إلا أنه بمجرد انتقال الحياة إلى مرحلة الزوجية فإن الكثير من المتغيرات تطرأ على هذه العلاقة ، و تصبح أكثر واقعية في مواجهة مشاكل الحاضر ،و بطبيعة الحال كثيرا ما ترتبط المعضلات بالمتطلبات اليومية وخاصة حاجيات المرأة ، و في تأمل بسيط لذهنية المرأة و لرغباتها نجدها كثيرا ما تهفو إلى المادة ، و قد لا تكون هذه قاعدة عامة و لكن الله خلق كذا الكون، فقد خيّر الله سبحانه و تعالى آدم بين الجنة والبقاء فيها أو التفاحة و النزول إلى الأرض ، و لكن حواء أصرّت على التفاحة بإيعاز من إبليس ، فهبطا من الجنة و استمرت الحياة على الأرض لينتقل آدم من حياة السمو و الروح العلوية إلى الحياة الأرضية و يرتبط بالطينية و الدونية ، و لكنه مع ذلك لم يتخل و لن يتخلى عن المرأة لأن كل منهما من الآخر بايجابياته و سلبياته و تبقى محطة المتطلبات و مشاكل المادة مما يسبب الخلافات و لكنها في الآخر تحل بطريقة أو بأخرى ..
أتذكر قصة من التراث القديم ، حيث يحكى انه في زمن مضى بينما كان رجل فلاح فقير يعيش في كوخه مع زوجته و أولاده ، كان في كل ليلة يمسك دفا و يغني بعد يوم من العناء و الكل يمرح و يضحك ، و في ذات ليلة مرّ بهم ملك فسمع الفرح و المرح و قد كان تعيسا لا يعرف طعم الفرح في الليل .
فأمر في الغد بإحضار الفلاح الفقير و عرض عليه أن يشتري منه الدف بثمن لم يكن يحلم به الفلاح ، ففرح الأخير و باع الدف و أصبح الملك يمرح به كل ليلة.. و بعد أيام أصبح الفلاح الفقير في عراك و مشاكل مع زوجته بسبب المال، و كاد أن يطلق زوجته.. ثم فكّر مليا و قرّر أن يقابل الملك، و كان له ما أراد.
فقل الملك : ما تريد ؟.، قال له الفلاح : ارجع لي دفي و أعطيك مالك ، فقال له ما دهاك ؟..فقال أدركت أن السعادة لا تشترى بالمال، بل إن المال هادمها..
و هكذا حياتنا فعلى اختلاف مشارب الناس و مستوياتهم، إلا أن الكثير لا يدرك قيمة المال الحقيقي الذي و هبه الله له و هي قيمة جوهرية قبل أن تكون قيمة مادية بحتة إنها السعادة و القناعة التي هي كنز لا يفنى.
و تبقى سنة الله في خلقه و هي احد أهم نقاط ضعف حواء التي تمتلك الكثير من نقاط القوة و التي يمكن أن تجعل من الرجل طفلا..أو بطلا أو عظيما بمؤازرتها له و لإعطائه الدوافع المتدفقة ، و المثل يقول : إن وراء كل رجل عظيم امرأة ؟. و اليوم يبدو أن وراء بل و أمام الرجل العظيم امرأة.
--------------------
و مع ذلك تبقى المرأة نصف الدنيا ...