بقلم : بيزيد يوسف .

بينما تحقق مجموع الدول المتطورة انتعاشا اقتصاديا و تطورا تكنولوجيــــا و حضاريا متأتيا عن مراحل متقدمة من التنمية الاقتصادية و أشواطا من التطور الذي حققته ، و قد أصبح مفهوم التنمية أكثر شمولية ليتعدى التنمية الآنية إلى التنمية المستقبلية و التنمية المستدامة التي تدير بطريقة عقلانية الموارد المتاحة مع النظرة المستقبلية للأجيال القادمة ، فإن دول الجنوب و منها دول العالم العربي لا تزال تعاني من مشاكل اقتصادية عديدة لا ترتبط فقط بضعف الموارد الاقتصادية التي تتوفر لدى الكثير منهـــا و لكنها ترتبط بإدارة هذه المـوارد و تنظيم الإدارة و لقد أصبحت عملية إدارة الاقتصاد من أهم مقومات الاقتصـــاد الناجح و التي لا تتطلب فقط قوانين و منظومة قانونية فاعلة تشكل البنية الفوقية للاقتصاديات الحديثة و المرتبطة بمنظومة القيم المعرفية و الأخلاقية للمجتمع ، إنما كذلك بعمليات تنظيمها مع دخولنا إلى عصر المعلوماتية و التكنولوجيــا ، و على الرغم من أن هذا النتاج التكنولوجي غربي مما أدى إلى تغيير أنماط سلوكية و قيمية داخل هذه المجتمعات مع عصر العولمة، حتى أن الكثير ذهب إلى الإنسان أصبح من الممكن أن يدخل مرحلة التشيؤ و قولبته ضمن أي إطار يمكن أن ترسمه له المجتمعات المتطـــورة و ذلك انطلاقا من التأثير على مجموع قيمه و حتى المناهج الفكرية مما يفقده الخصوصية الفكرية و الثقافية .
و يصبح شيئا جديدا ترسمه هذه القوى ليندمج ضمن إطار الحضارة الجديدة بدعوى أن ثقافته و ربما حتى معتقداته لا تتماشى مع العصر الحديث ، و قد كانت إلى وقت قريب الدعوات الاستشراقية تشكك في القيم الشرقــــية و أصبحت دعوات الإرهاب و التشدد في القرن الواحد و العشرين النمط الجديد لهذا النوع الجديد من إعادة رسم الخارطة العقائدية و الذهنية و الفكرية لإنسان القرن الواحد و العشرين و الحجة الرئيسية هي المحافظة على الأمن الذي يهم الجميع و ما انتشار ظاهرة الاسلاموفوبيا و خوف الغرب من الإسلام بصورة حقيقية أو مصطنعة إلا إحدى صور هذا التباعد الحضاري .. و من هنا يولد الإنسان الجديد و الذي لا يعدو أن يكون آلة تحمل مجموعة من القيم الغربية و إذا كان تعريف الثقافة حسب تايلور : " كل مركب يشمل المعارف و المعتقدات و الفـــنون و الأخلاق و القوانين و الــعادات و التقاليد و كل المكتسبات التي اكتسبها الفرد أو الإنسان كعضو من المجتمع " و تكون منطلقة من بناء الشخصية الوطنية و الهوية لهذه المجتمعات مما يؤدي بها إلى بناء حضارة و هي ترقى إلى المعالم العمرانية و المـادية ، و التي تميز مجتمع عن آخر و يمكن الملاحظة من الاستقراء التاريخي و الدراسات الميثولوجيـــــة للحضارات القديمة من الفرعونية إلى الآشورية و إلى اليونانيـــة و الرومانية و الإسلامية ، فـكل حضارة تتميز بالاختلاف عن الحضارة الأخرى نتيجة مجموعة من المقومات الثقافية التي صبغتها بصبغتها ،،
و إذا كانت الحضارة الغربية و صلت إلى التطور المذهل فــــي جميع المجالات المادية و أصبحت بأتم معنى الكلمة حضارة التكنولوجيا و المعلوماتية إضافة إلى الزخــم العلمي و المعرفي الذي يتسم به هذا العصر .فإنها من جانب آخر زادت في فرض أخلاقـــياتها و مبادئها فأصبحت كل المفاهيم معولمة من نظرة غربية- مركزية حتى مفاهيم العنــف و السلام و الحوار و الاختلاف
فمن حيث النظرة الأولية ينطلق أغلب المفكرين إلى أن خصائص النمطية و التشيؤ هي الغالب في الفكر المعاصر و هذا المنطلق يرتكز أساسا من خلال مفهوم فرض الذات ، في ظل هشاشة بنية بعض المجتمعات التي بدأت تركن إلى التأقلم مع العولمة و التخلي ليس فقط على المتغيرات بل كذلك الثوابت ، و قبل أن نتحدث عن شيء من الفكر و الاقتصاد ، ننطلق من مفهومي النمطية و التشيؤ :
1- النمطية :
كانت الدراسات الاجتماعية من أولى الحقول التي انتقل إليها المفهوم-النمطية - وكانت الدراسات والبحوث الاجتماعية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن المنصرم تنصب بشكل أساسي على الصورة النمطية العرقية (Racial Stereotype ) كاستجابة مباشرة للصراعات العرقية والتعصب العرقي الذي كان سائداً في تلك الفترة .
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية دخلت الصورة النمطية إلى مجال البحث الاجتماعي ضمن الاهتمام بدراسة الشعوب الأخرى ، كما دخل مفهوم الصورة النمطية إلى حقل العلوم السياسية وخاصةً ما يعرف بدراسات السلوك الدولي ( International Behavior ) وذلك ضمن الاهتمام بما يسمى بالشخصية القومية فظهر مفهوم الصورة النمطية القومية التي توصف بأنها " السمات الشائعة الثابتة التي تسري على شعب ما من جانب شعب آخر ، والتي تأخذ شكل العقيدة العامة الجماعية والتي تصاغ على أساس غير عملي أو موضوعي ، تأثراً بأفكار متعصبة تتسم بالتبسيط في تصورها للآخر "
وفي الستينيات شهدت الدراسات حول الصورة النمطية خاصة في مجال الإعلام ازدهاراً كبيراً نتيجة لإقرار الحقوق المدنية ومن ثم تم تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل من قبل وسائل الإعلام المختلفة لتقدم نقداً للكيفية التي عكست وروجت بها تلك الوسائل الصور النمطية للزنوج والأقليات الأخرى . وقد كانت هذه حقبة بمثابة التمهيد لدخول الصورة النمطية إلى ميدان علم الاجتماع الإعلامي من أوسع الأبواب في السبعينيات ، وظهرت ما عرف بالصورة النمطية الاجتماعية ( Social Stereotype) كمقابل للصورة النمطية الشخصية في علم النفس ( Person - Stereotype) .
برزت الدراسات الخاصة بالتنميط الجندري (Gender Stereotyping) في الثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ضمن الاهتمام الكبير بهذا الحقل الجديد ، ونتيجة لتعاظم دور المنظمات الدولية العاملة في مجالات التنمية واهتمامها بهذه الدراسات التي تساعدها في وضع خططها. بل وامتد انتشار الاهتمام بالصورة النمطية ليصل إلى اللغة والآداب ، وظهرت كثير من الدراسات النقدية التي تهتم بدراسة الصورة النمطية في النصوص الأدبية من قصة ورواية ، وانتقل هذا الاهتمام إلى المسرح وغيره من الفنون .
نلاحظ مما سبق ان مفهوم الصورة النمطية تطور منذ عشرينات القرن الماضي إلى يومنا هذا ، ودخل إلى حقول معرفية مختلفة كالفلسفة ، وعلم النفس ، وعلم الأعراق ، والسلوك الدولي ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس الاجتماعي ، والإعلام، والإعلام الاجتماعي والجندر ، وعلم اللغة والآداب والفنون
هذا المفهوم ، بل المصطلح في حد ذاته يعد معاصرا و تجلت معالمه مع ظهور العولمة و تنميط الفكر و المعتقد و الاتجاه ، إضافة إلى السلوكيات البشريـة و قد دخلت مراحلها المتأخرة وفق منظومة فكرية و سياسية و تكنولوجـــية في الغرب ، و خاصة مع تحكم و سيطرة الآلة على حياتنا و أصبحت الحاجيات المادية هي المتسلط و المهيمن على حياة البشرية بامتياز . و لكن دائما ضمن مسار يخدم هذه المجتمعات و إلى حد إلغاء الآخر في بعض الأحيان و هذا في الحقيقة لا ينطبق على العالم الثاـلث و تحديدا على العالم العربي .
2- -التشيؤ :
التشيؤ reification مفهوم ماركسي , مهم في الاعتبارات الانثربولوجية و التي تطورت في كتاب رأس المال في شكل مصطلح "صنمية السلع" و التشيؤ هو: تصور الظواهر الإنسانية كما لو كانت أشياء, أي تصورها في صورة مصطلحات غير إنسانية, أو تصورها, من الممكن, في صورة مصطلحات فوق إنسانية.
أن التشيؤ يتضمن قدرة الإنسان على نسيان أنه صانع أو مؤلف العالم الإنساني. و يتضمن فضلاً عن ذلك فقدان الوعي بالجدلية بين الإنسان, أي المنتج, و بين ما ينتج. فالعالم المشيء هو بالتحديد عالم أزيلت عنه الصبغة الإنسانية
فبعد أن أخرج علم الاجتماع الغربي مفهوم التشيؤ "reification" والذي صاغه المفكر الهنغاري جورج لوكاتش من سياقه الاقتصادي إلى النطاق الاجتماعي (الإنثروبولوجي) كمفهوم قادر على الحكم على طبيعة العلاقات الإنسانية، بات من الشائع في الأدبيات الاجتماعية الغربية النظر إلى طبيعة هذه العلاقات على أنها مجرد صورة مجسدة لحركة السلع المادية في الأسواق، وبالتالي تم اختزال منظومة الحراك الاجتماعي التي كانت تشكل في الماضي - بدءا من محاولة سقراط وأفلاطون لفهم الإنسان وانتهاء بأعمال مفكري عصر النهضة- ضربا من التوق نحو سيادة الإنسان على الطبيعة، إلى ذلك التنميط الساذج المنطوي على إسقاط مفاهيم السوق وحركة السلع المادي على كافة تعقيدات الحياة الإنسانية بجانبيها الروحي والجسدي.
وفي هذا النظام المعولم، يتحول كل شيء إلى سلعة قابلة للبيع والشراء وفق مبدأ المنفعة، إذ يسعى كل فرد للحصول على السلعة التي يحتاجها مقابل التنازل عن السلعة التي يمكنه بذلها، وهنا تصبح مقولات الفن والجمال والأخلاق والحب والدين مجرد مفاهيم مجردة يمكن تجسيدها عبر سلع قابلة للتبادل الآلي البحت، فيجري تحوير الفن إلى متعة بصرية، والجمال والحب إلى لذة حسية، والأخلاق إلى ضوابط تحكم النظام الاجتماعي لتأمين قدر مقبول من الأمن الفردي، والدين إلى جرعة نفسية معدلة للتخلص من تداعيات السعي اللاهث لتحصيل القدر الأكبر من اللذة- تصديقا لمقولة أوغست كونت "الدين ليس أفيون الشعوب بل فيتامين الضعفاء". وفي هذا السياق،
وبناء على ذلك، فقد استساغ مفكرو هذه المرحلة، وهم خليط من التكنوقراط الجدد المولعين بثورة التكنولوجيا، فكرة تسليع مظاهر الحياة بكافة أشكالها على أنها الشكل الأخير للتطور الحضاري، وذلك في سياق ديالكتيكي -جدلي لا يخلو من الحتمية "فرانسيس فوكوياما" وبدأت بذلك حركة التأسيس لهذا البناء الفكري والتي لا تحتاج إلى أكثر من إشاعة النظام الاستهلاكي في أبسط أشكاله، وهو كما نرى نظام فكري لن يتطلب من المتلقي أي خلفية ثقافية لاستيعابه، إذ أنه يخاطب الغرائز بدلا من العقول، ويسعى لإعادة هيكلة المجتمع برمته بدءا بالعامة الذين لا يبدون أي شكل من أشكال الممانعة وانتهاء بخاصة المثقفين المستعدين للتبرير بأدوات فلسفة الحرية الشخصية والليبرالية، فهم جميعا قابلون للتلقي بشكل أو بآخر، وتحت وطأة كثافة البث الإعلامي الملغوم، وحساسية الوتر المستهدف.
لقد نجح النظام الرأسمالي المتضخم في آخر أطواره، وبعد أن تمكن من تحييد معظم الأنظمة والقوى المنافسة- وتأجيل البروز المحتمل للبعض الآخر على الأقل، في إسقاط مفاهيمه المادية على كافة مظاهر التفكير والسلوك اليومي لدى الإنسان المعاصر. ففي هذا العالم المتسارع يجد الإنسان نفسه مجرد عنصر تافه من "ماكينة" الإنتاج المادي العالمية، وهو محكوم بالانخراط في شبكة علاقاتها المعقدة دون أن يكون له أي خيار، إذ تملك هذه الآلة الضخمة كافة أساليب القمع والإغراء على السواء "سياسة العصا والجزرة"، مما يدفع بالإنسان إلى الشعور بالإحباط وعدم جدوى أي محاولة للخلاص، فضلا عن لذة الاستسلام لفيض المغريات الحسية الذي يوفره الانصياع وبذل الطاعة
و التشيؤ هو أن يقولب الإنسان ضمن الإطار المراد له وفق قيم أخلاقية و فكرية ترسمها مناهج و أفكار معدة سلفا . و تنتفي قيم المقاربة العقلية لتتماشى مع أفكـار و قيم خلقتها الحضارة الغالبة و هذا يذكرنا بمقولتي ابن خلدون :" الرعية على دين ملوكها " و المغلوب مولع بتقليد الغالب ،" و هو ينطلق من تسيير و بناء بنية اجتماعية جديدة ترتبط بقيم مختلفة عن القيم القديمة ، و لكنها تكون عادة منفتحة على الآخر ، و إذا كان التشيؤ قد أفاد المجتمعات الغربية لأنها تأقلمت مع ميكانيزمات التغير و التكيف ، فإن هذا لم يجد نفس الصدى حيث تواجهه بعض التيارات في العالم الإسلامي بمقاومة فكرية أو أشكال أخرى من المقاومة . لأن آليات التطور التكنولوجـــي و الاقتصادي لا يسيران في نفس المنحنى البياني ، و هذا الاضطراب في المسايرة يستوجب إعادة بناء للقيم و الأخلاق و المعتقدات - و العقيدة في تعريفها البسط هو ما انعقد عليه القلب و نطق به اللسان و صدقه العمل - و بالتالي من المستحيل تغييرها و لكن عنصر التشيؤ قد يعتمد بالدرجة الأولى على خلخلة البنى الاجتماعية لهذه المجتمعات و إعادة صياغتها انطلاقا من الفرد إلى الأسرة ثم المجتمع .
تعتبر الوسطية في الفكر و الاعتدال من أنجح السبل للتأقلم مع التغيرات الحاصلة في العـــــالم و إذا كانت العولمة قد أصبحت واقعا لا يمكن إنكاره أو الهروب منه بل يجب التفاعل معه ايجابيا من خلال المحافظة على الثوابت و ترسيخها و لكن بطريقة حضارية ..و إذا كان بعض الموروث الشعبي و العادات و التقاليد قد لا تتماشى مع المدنية كما يدعي البعض ، إلا أنه يمكن المحافظة عليها و قولبتها ، وإذا كان الدين لا يقبل المساس به فهو مقوم حضاري صالح لكل زمان و مكان ، و يمكن أن تتفاعل هذه القيم مع التغيرات الدولية والتكنولوجية و الثقافية .. وبتزايد و تعدد وسائط التواصل و الاتصال و الزخم الهائل من المعلوماتية انتهاءا بالفضائـــــيات إلى الانترنت . مما يجعل العالم مترابط و متواصل بطريقة و أخرى و لا مجال للعزلة المفتعلة .
لقد نشأ عن التعصب و التمسك بالرأي الأحادي و الفهم الخاطئ للمذاهب و الأفكار نشؤ مذاهب و جماعات تذهب إلى حد تكفير الغير قــــناعة منها بأن الغير على غير صواب ، و معارضة للتغيرات الثقافية و الحضارية التي أخذت في القولبة و التغلغل في أوساط المجتمعات الإسلامية و بطبيعة الحال قد تأخذ أشكالا مسلحة أو متطرفة.
و القول أولا بوجوب استحداث إستراتيجية جديدة للحوار و التقريب بين المذاهب على غرار الملتقى التقريبي الذي عقد في الدوحة في شهر جانفي 2007 . يدل على ضرورة رسم إستراتيجية موحدة تضمن وحدة التصور مع احترام الاختلافات بين سنة و شيعة و طوائف مختلفة سواء الأصولية منها او التغريبية ..مع عدم المساس بالكيانات الوظيفية و البنيوية للدين كرابط مقدس ، و هذه المنطلقات الفكرية و الثقافية لتصبح عامل قوة بدل عامل ضعف و جزء من الحل بدل أن تكون المشكل في حد ذاته .
هل الطائفية و المذهبية هي عوامل فرقة في العالم الإسلامي لأنها لم تتأقلم مع التغيرات الحاصلة على المستوى العالمي ، و قد أصبحت تشكل أكثر من نقطة اختلاف بل و اقتتال في الوطن العربي في العراق و لبنان ؟، بالطبع فإن مثل هذه الإشكالية تحتمل أكثر من فرضية إجابة لكن الأكيد و المؤكد أن العالم الإسلامي فيه من المقومات ما يجعله يتجاوز تشكيل الآخر له عن طوع أو كره أي بالغزو الثقافي أو بالاحتلال، تنطلق عملية بناء المجتمع من عقول مفكريها و علمائها و دعاتها بالدرجة الأولى ، و تكون بتشكيل نخب مثقفة تضطلع بهذا الدور و تقوم بالربط العضوي بين مكونات المجتمع و الدولة و الأمة ، إضافة إلى التنمية الفكرية و الثقافية و الاقتصادية . فتجاوز النمطية و التشيؤ ينطلق أساسا من ترسيخ دعائم و أسس يقوم عليها المجتمع و هي بمثابة اللبنات الأساسية له تجعله يحدد مساره بالتوازي مع العولمة و عصر التكنولوجيا و بمعنى آخر هي عملية التفاعل و التأثير و التأثر و ليست عملية المقاومة المطلقة أو الاستسلام الكامل .
و القول بهذا المنطق يشبه التلازم بين العقلانية و الديمقراطية و المدنية و المجتمع المدني و الحرية الفكرية و الحريات الأساسية و حريات التعبير و بهذا كتب الكاتب و الباحث عدنان حافظ جابر :" يفتقر الوطن العربي إلى مفصلين إنسانيين حيويين هما : العقلانــــــية و الديمقراطية ،و ليس من المبالغة في شيء اعتبار خطر هذا الفقر الإنساني يفوق خطر فقر الدم، لأنه يهدد بهبوط إنسانية الإنسان ، وقد يؤدي إلى انحدار مستوى الإذلال : الانتقال من مستوى الإذلال الإنساني بمصادرة العقل و تشيئ الإنسان ،، إلى مستوى الإذلال البيولوجي ، بروز التوحش و الجوع و الاحتكام إلى شريعة الغاب ..."
فاستخدام العقل الذي ميز به الخالق سبحانه و تعالى الإنسان عن بقية الكائنات هو مناط الاهتمام و المخرج الرئيسي من التنافر و الاختلاف ، مع مراعاة قيم الديمقراطية من مشاركة الآخر و التداول على السلطة و تمثيل كل الفعاليات الفاعلة و المؤثرة في المجتمع ، و لكن انطلاقا من المقومات الثابتة اللامتغيرة.
و إذا كانت الثقافة و الديمقراطية و كل عمليات التفاعل السياسي و الاجتماعي هي بالدرجة الأولى علاقات بين أفراد و وحدات فإن مخرجاتها ترتبط بصورة مباشرة بمدخلاتها ..أي أن البنى الثقافية و الفكرية و العقائدية هي التي في الأخير تنتج تصورات و سلوكات للتعامل مع المحيط .
تنطلق عملية بناء الفرد و تحديدا النخبة التي تتسم بالعقلانية و تحديد اتجاهات المستقبل بمراحل و منها :
أولا: مرحلة التنشئة:
1-تلقي المعارف الأولية: *أسرية - عقائدية -فكرية - الهدف منها التمسك بالقيم و المبادئ الأصلية للمجتمع و المحافظة على وحدتها.
ثانيا : مرحلة النضج :-
2- اكتساب سلوكيات و تصورات و تطورات و أفعال مبنية على أفكار و قناعات ايجابية للمساهمة في بناء المجتمع ، كل نخبة حسب شريحتها و اختصاصها - بناء إنسان يتفاعل مع المجتمع ايجابيا .
ثالثا : مرحلة التأثير و التحدي :
3-بناء أفكار مستقبلية مبنية على مبادئ و قناعات وطنية ، الاستعداد للتحدي و الدفاع على الغير و المبادئ و الأفكار - الإنتاج و الإبداع المعرفي و الفكري و العلمي .التسامح و قبول الآخر و المشاركة في مختلف العمليات الاجتماعية و الثقافية .
و لكي تصبح المجتمعات متماسكة تنطلق أولا من عملية بناء الإنسان العربي و المسلم مهما كانت مرجعيته -مسجد أو -حسينية أو مدرسة أو كتاّب -فإن قيم التفاعل تبقى هي الرابط الأساسي الذي يمكن من التعامل مع متغيرات ليست محلية فقط بل عالمية كــذلك ، و عليه يجب الاهتمام بمجموعة من النقاط و منها :
- ترسيخ قيم التسامح و التعايش المشترك و العقلانية و الديمقراطية و التمسك بالثوابت العقائدية.
-التفاعل مع الحضارة انطلاقا من التأقلم مع ميكانيزمات التغير و التكيف أي التغيرات الحاصلة على المستوى الدولي و التكيف معها داخليا اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا.
-زيادة الإنتاج و النشاط الثقافي.
-تفعيل التنظيمات الثقافية و العلمية .
-استغلال الهياكل الموجودة استغلالا عقلانيا.
-ربط العلاقة بين السلطة و المثقف و تشجيع النخب المثقفة على ممارسة الدور الحقيقي .
- توفير الإمكانيات اللازمة و استغلال المؤسسات استغلالا علميا حتى لا تكون روحا دون جسد.
و يبقى الإنسان دائما محور أي نهضة لا تتم بغيرها عمليات التقدم و هو مورد بشري لأي عملية إنتاجية و حضارية . و لا يتم أي تغيير إلا بتغيير الذات أولا ، و ذلك مصداقا لقوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " صدق الله العظيم .