حتمية الثورات في البلاد العربية
بقلم : بيزيد يوسف
هل تساقطت الاستراتيجيات الثورية أمام انتفاضات الشباب في تونس و مصر
اللتين قطعتا أشواطا من الفعل السياسي و النشاط الميداني محققة تقدما
ملحوظا بإزاحة كل من زين العابدين بن علي في تونس و حسني مبارك في مصر ،،
و على الأقل سقوط رمزين من رموز الاستبداد و التسلط في البلاد العربية
،،لتأخذا و عيا حضاريا ذو أبعاد جديدة و مدارك فكرية بعيدة الأفق و قد
أخذت معايير و مؤشرات فكرية معاصرة ،، و ارتقت إلى مستوى التصور الفكري و
الحضاري للشعوب المتقدمة في مستويات الطرح و أساليب التعبير و التظاهر
لتتهاوى أمامها الأنظمة البالية و الديكتاتورية ، رغم قبضتها
الديكتاتورية و التي كان العالم يسمع بها تحكى في خرافات و قصص و أساطير
الغابرين ،، لتكون مفارقة بين زمنين زمن مضى و ولى و زمن جديد يتسم
بمقومات التكنولوجيا و عناصر التفاعل التكنولوجي عبر وسائط عابرة للحدود
و القوميات و لا تعترف بالجنسيات ،،و قد استطاعت فعلا أن تغير الصورة
النمطية للشعوب العربية الخاضعة الخانعة و بالمقابل ،، و في ذات الوقت
تستحدث نوعا من الإستراتيجية الثورية الشبابية التي من المفترض تدرس في
النظريات الثورية الحديثة ،،
بل إن تأثير الثورتين امتد إلى ليبيا و اليمن و البحرين و سوريا ،، و
أصبحت الحناجر هنا و هناك تصدح بأصوات الحرية بعد أزمان من الكبت و
التسلط ،، حتما المعادلة بكل تداعياتها ستكون لصالح الشعوب لأن حركية
المجتمعات و تطور السلوكات ستكون فعليا تتناغم مع عجلة التاريخ ، أما
الأنظمة المتهالكة التي اعتقدت انها ستعطل سيرورة التاريخ فستتوقف و
تنقرض ، ليس فحسب الأنظمة القمعية بل حتى الأنظمة الديمقراطية الصورية
التي تزور الانتخابات بامتياز و تتلاعب بعبارات الديمقراطية و تلجا
لوسائل الإغراء و القمع بتبجح و عنجهية ، و هناك قاعدة في علم السياسة
تنطلق من ميكانيزمات التغير و التكيف ، تشير على انه من الضروري أن تواكب
هذه الأنظمة التطورات ، و مطالب الجماهير و الشباب ،، في ظل عالم التواصل
الاجتماعي الذي أصبح عالميا افتراضيا تخطى كل الحدود ، يعيش فيه الفرد
تواصلا فكريا و حضاريا و ثقافيا في زمن متسارع ،، لم يعد زمن القائد الحد
الأحد و لا زمن الحزب الواحد و لا الرئيس الأسطورة ،،، هذه الحقيقة و هذا
الواقع و على الحكام العرب من الخليج إلى المحيط أن يدركوا ذلك ،، و إلا
فإن زمن الفوضى الخلاقة سيعصف بهم و لربما بالنزر من الانجازات التي
حققوها،
و لربما ان زمن النقلة النهائية لم يتحقق بعد ، و لكنها حتما إرهاصات
الحراك الديمقراطي في تونس ومصر وإن اختلفت خصوصية كل منها ، سيكون
بلا ريب التغيير ، لأن مرحلة الممارسة الديمقراطية الحقيقية لا الصورية
ستكون هي المبتغى في حد ذاتها و عاملا من عوامل الثورة ،،
لماذا يصر الحاكم في البلاد العربية على المكوث في الحكم رغم انتهاء مدة
حكمه ، و لماذا يصادر الحريات و يذهب إلى حد التقتيل و إعلان الحروب
الأهلية ، هل كل ذلك رغبة في السلطة ؟ أم أن هناك مآرب أخرى و أجنحة
مافوية هي التي تستعد إلى الحرب القذرة و أطرافها قذرون و يستغلون
الأدوات القذرة لنهب الثروات و استعباد الشعوب ، و لربما تقتيل الآلاف من
الأبرياء ؟، و هل البلاد العربية مصيرها مرهون بسلطة الرئيس أو الحاكم و
لا تمتلك فقط إلا أنظمة تتهاوى عند سقوطها لا تمتلك دولا بالمفهوم
المعاصر ذات أنسقه اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و عسكرية متناغمة و
متكاملة ، و يبقى مفهوم الدولة غائبا و مغيبا ،، و في كل مرة يهدد الحاكم
بالنار و الحديد و الحروب الأهلية و الإرهاب و القاعدة و ما إلى ذلك من
فزّاعات ، لأن مفهوم التداول ألغي من قاموس السياسيين و المؤسسات أصبحت
صورية لأنها تفتقد الممارسة الديمقراطية التي هي دعامتها الجوهرية ,
|