،، لما لا تكون هناك قنوات فضائية في الجزائر مثل الأوراس و الهقار ..و غيرها من المسميات في الداخل و الخارج و هدفها خدمة الجزائر أولا و أخيرا ..مثل حال بعض الدول الأخرى و العربية منها خاصة ،،
إشكالات الحرية و صناعة الرأي في الإعلام العربي و الجزائري .
بقلم : بيزيد يوسف
استطاع العالم العربي في ظرف زمني وجيز أن ينتقل نقلة نوعية في مجالات الإعلام و تكنولوجياته ، نظرا للتقدم الهائل الذي تحقق على الصعيد العالمي ، فهذا الكم الهائل من وسائل الإعلام و الصحافة من فضائيات و مجلات و جرائد و إذاعات و انترنت و وسائط متعددة أخذت تجتاح عواطفنا و أذهاننا بل و يتحكم الكثير منها في خياراتنا و اختيارنا عن قصد أو غير قصد ، و بقيت مسألة مواكبة التطورات الحاصلة تشغل أذهان الكثيرين من المهتمين بهذا المجال ، بل و من مختلف الأوساط نظرا لارتباط الإعلام بحياتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كوسيلة في الاتصال و التواصل بمختلف فروعها و أشكالها ، حيث أصبحت تقنية الصورة و الكلمة بارعة في التأثير في كثير من الأحيان في صناعة الرأي أو إعادة تشكيله ، و مع ذلك و بما أن الرسالة الإعلامية تحمل مدلولات و أبعاد و أفكار و مشاعر و أهداف ، فإن إشكاليات نسجها و نقلها و محتواها من حيث المرسل و المرسل إليه إضافة إلى البيئة المحيطة تخلق محيطا مميزا و تطرح إشكالات حول حيزها المفاهيمي و الغائي و مدى حدود الحريات –لأن الرسالة تحمل فكرة و هذه الفكرة يمكن صياغتها و فهمها حسب المرسل و المرسل إليه و تبقى التقنية هي الوسيلة المتميزة في مدى التأثير و قوته .
هذه البيئة لا تستند فقط إلى الأطر المادية من وسائل و أموال و تكنولوجيات و قدرات و مهارات ، بل تتعدى ذلك إلى الجوانب اللامادية كمحتوى الرسالة و القيم التي تحملها هذه الرسالة ، و إلى أي مدى يمكن أن تساهم الحريات الفكرية في تنمية الإبداع و التميز و في صناعة الرسالة الإعلامية أو العكس إذا كانت تحمل مفاهيم خاطئة أو مغلوطة ، أو تخدم أهداف ذاتية تتنافى و فحوى الرسالة الإعلامية .
و من هنا يمكن أن نضع مجموعة من الإشكاليات و من دون الحكم على صحة الفرضيات أو عدمها يمكن أن تبقى الإشكالية مفتوحة على كل الاحتمالات ، بما أن الظاهرة الإعلامية دينامكية و متغيرة و يمكن أن ينطبق عليها منهجا سلوكيا و سوسيولوجيا نظرا لحركية المجتمعات .
فالذي ينتج المادة الإعلامية قد يجد نفسه في إشكالات تنطلق من وسطه و محيطه . و العالم العربي يعيش هذا المخاض الذي يمكن أن يكون نقطة تحول في مجالات الحريات و صناعة الرأي بمستويات تتماشى ايجابيا وتنمية المجتمع بشريا و ثقافيا و حضاريا و اقتصاديا .
ما هو مفهوم الحرية و ما مداها ، هل هناك حرية تعبير في العالم العربي و في الجزائر أم هناك تضييق و تقييد ؟ ما هي معوقات هذه الحريات و كيف يمكن التخلص منها ؟ ، و إلى أي مستوى يتراوح ذلك ؟. هل فعلا الإعلام العربي و الجزائري قادر على صناعة الرأي أو تشكيله أو حتى توجيهه ؟ العديد من التساؤلات تطرح دوما .
في البدء ما المقصود بحرية التعبير ؟
على الرغم من الاختلاف الكبير في تحديد المفهوم من حيث المقاربات الفلسفية إلا أن هناك شبه إجماع حول هذا التعريف الذي استقيناه من ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
( حرية الرأي والتعبير يمكن تعريفها بالحرية في التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فني بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية التعبير ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية.
بالنسبة لحدود حرية الرأي والتعبير فانه يعتبر من القضايا الشائكة والحساسة إذ أن الحدود التي ترسمها الدول أو المجاميع المانحة لهذه الحرية قد تتغير وفقا للظروف الأمنية والنسبة السكانية للأعراق والطوائف والديانات المختلفة التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة وأحيانا قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دورا في تغيير حدود الحريات.محتويات بدايات حرية الرأي والتعبير).
ويعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill (1806 - 1873 من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي مغاير للأخلاق في نظر البعض ، حيث قال "إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة" وكان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير عبارة عن ما أطلق عليه "إلحاق الضرر" بشخص آخر .
إن مفهوم الحرية هنا متعدد الأبعاد و لكنه يرتبط بالحق في مثل حال حرية التعبير، و خاصة إذا ما كان هادفا و يراعي الضوابط و من هنا يرتبط بمفاهيم العدالة ، و التنمية ، بمختلف مستوياتها الاقتصادية و الاجتماعية ، و لكن ما هي عوائق ممارسة هذه الحرية ؟، فالعملية لا تتمثل في كل حالاتها المتابعة أو الملاحقة ، أو تكميم الأفواه و تقييد الأيادي ، أو حتى وضع رقابة فكرية على أفكارنا و ما قد يراودنا من بنات الأفكار ....
إشكالات في الحريات الإعلامية :
من خلال استقرائي للواقع الإعلامي من خلال تجربتي الإعلامية و ما نلمسه من واقع إعلامي في مختلف الوسائل الإعلامية ، يمكن أن نطرح مجموعة من الإشكاليات و منها :
1- الحرمان من الوصول إلى المعلومة أو الخبر أو وضع قيود على ذلك:
إن الوظيفة و المهمة الرئيسية للإعلام هو علاقة الربط بين السلطة و المواطن من خلال تحليل و بلورة الأطروحات و المشاريع و من ثمة صناعة الرأي . و هذا ما جعل الكثير يسمي الإعلام بالسلطة الرابعة و في ذات الوقت تقوم بنقل انشغالات و اهتمامات المواطنين بكل صدق و موضوعية للمسؤولين حتى تكون أداة رقابية فاعلة ، و لكن في كثير من الحالات ما يشتكي الصحفي من صعوبة وصوله المعلومة الحقيقية لأنها قد تسبب الإحراج لهؤلاء المسؤولين، كما قد ينظر للصحفي و الإعلامي على أنه أداة لتلميع السلطة بحيث يظهر ما يسر و يخفي ما يحرك الانشغال ..من هنا تبدأ متاعب الصحفي بين الضمير المهني و متطلبات السلطة و بين ترسانة القوانين التي تقيده ، و بطبيعة الحال لابد له من التأكد من صحة المصادر و المعلومات ليكون الخبر أو تكون المعلومة أو التحقيق أو ما شاكل ذلك من أنواع العمل الصحفي موضوعية و دقيقة في الطرح . و تشير الكثير من تصريحات الصحفيين إلى وجود هذه المعضلة . و لمسناها خاصة في الصحف الوطنية و المحلية و خاصة المستقلة،، مع الاختلاف بالنسبة للاذاعات و القنوات الحكومية لأنها رسمية
.2-حرية الإعلام و التعبير و نضج الممارسة الديمقراطية : ( الحرية هي وطني) : مقولة لحمدي قنديل أتذكرها دوما.
و هذه المسالة تطرح إشكالات مختلفة من عدة زوايا فهي ترتبط بالحرية و النضج و الممارسة و الديمقراطية ، فهل يجب على العالم العربي أن ينحو خطوات جادة في البدء نحو الديمقراطية ليصل إلى مرحلة الحرية الإعلامية أو العكس ، أي أن يقطع أشواطا في مجالات حرية التعبير و الإعلام حتى تصل الرسالة الإعلامية التي تؤدي إلى نضج المجتمع و توعيته بطرق فاعلة و جادة و ينتقل من ثمة الى الممارسة الديمقراطية . فالتطور الحاصل في فضاءات الإعلام بمختلف وسائله لن يسمح باحتكار دولة أو سلطة لأعلام أحادي ، فالكثير منا يتابع الفضائيات و الانترنت و غيرها من الوسائل و الوسائط المتنوعة التي أصبحت لا تعترف بحدود .و من هنا تتشكل مسألة الوعي بحدود الرقابة و الوعي بفضاء التواصل و الاتصال
3—سلطة الدولة على وسائل الإعلام و الاحتكار المطلق و خاصة فيما يتعلق بالتلفزيون و الإذاعة : ليس هناك مجال للجدل بان عملية انتقال مفهوم الإعلام الرسمي للدولة من إعلام سلطوي إلى إعلامي مجتمعي تشكل فارقا كبيرا في مدى فهم السلطة و المجتمع و المؤسسات الفاعلة لمدى أهمية هذه الوسيلة و كيفية بلورتها لخدمة الأهداف العامة للمجتمع من اجل التنمية و التطوير ، و مراعاة كل فئات المجتمع في الحق في التعبير عن أفكارها و رؤاها وفق ضوابط قانونية ، في دول مثل الولايات المتحدة تجد عددا لا حصر له من الإذاعات و القنوات التلفزيونية كل منها يدلو بدلوه ، و لكن وفق قوانين مضبوطة و كذلك الحال في بريطانيا حيث توزع بعض الجرائد مجانا الى المنازل ناهيك عن المحطات و القنوات، بينما لا تزال الكثير من البلاد العربية أسيرة الأحادية سواء في العدد أو الكيف من حيث نوعية المادة الإعلامية و الطرح و هذا ما يجعل المواطن العربي يبحث عن تعطشه للمادة الإعلامية في قنوات أخرى قد تحمل أفكارا و مفاهيم مختلفة لصاحب الوسيلة من خلالها أهدافه و يسعى من خلالها إلى بلورة و صناعة رأي محدد و فق غاية محددة و مدروسة .
و من هنا فإن فتح الحوار و التفاعل الداخلي يخلق مناخا فعالا لحرية الرأي و التعبير و تشكيل الرأي العلمي و الموضوعي و ليس تشتيته أو تقسيمه كما قد يحدث للأسف في بعض البرامج التي يتحول فيها الحوار و النقاش الجاد إلى جدل و لغط و صراخ و بالتالي حوار الطرشان الذي يتخيل فيه للمشاهد أنه يشاهد صراع لديكة رومية أو عراك بين شخصين ، و من هنا تنتفي صفة الموضوعية و يتحول الهدف إلى الإثارة مع أنها وسيلة و ليست غاية في حد ذاتها .
و في إطار آخر حسب معظم الإحصائيات فإن الفضائيات العربية وصل
عددها إلى حوالي 250 قناة منها 13 إخبارية و البقية عامة و ترفيهية لا تصل في الأخير إلا إلى أهداف محددة تساهم في تشويش الذهن نحو نقطة محددة و من هنا تطرح مسال التعددية من منظار جاد ، ما هي ضوابطها و آليات عملها و هل يترك الحبل على الغارب ، إنها بحق مسالة الحرية .؟
فإلى أي مدى يمكن للصحفي أن يمارس حدود سلطته و حريته في تناول الخبر و في إرسال المادة الإعلامية ، هل يمكن أن يتحول الإعلام إلى تجارة أو بزنسة أو إثارة للرغبات و النزوات و نوع من الشحن الإعلامي السلبي ؟ إنها إشكالية من إشكاليات الحريات ومدى حدودها و ضوابطها .
و هل يمكننا في بلد مثل الجزائر أن نطرح موضوع انشاء قنوات فضائية متعددة و متنوعة و لما لا و حتى خاصة و كل قناة مستقلة عن الأخرى استقلالا تاما ، اضافة الى اليتيمة و برامجها المتنوعة و المترابطة في ذات الوقت - برنامج واحد و لكنه متعدّد ،و لكن فبل ذلك من الواضح أن المسالة ليست مادية بقدر ما هي مسألة التحكم في فحوى و محتوى المادة الإعلامية ،، .لما لا تكون هناك قنوات فضائية في الجزائر مثل الأوراس و الهقار ..و غيرها من المسميات في الداخل و الخارج و هدفها خدمة الجزائر أولا و أخيرا ..مثل حال بعض الدول الأخرى و العربية منها خاصة ،،
4-حماية الأطر المشرفة على وسائل الإعلام : سواء المستقلة أو المملوكة للدولة بحيث يصبح القانون الحامي للوسيلة الإعلامية لا المقيد لها ، إذا العملية تتحول هنا إلى عملية ضبط لا تقييد و الحماية لا تشمل فقط القوانين إنما كذلك دراسة موضوعية لحالة الصحفي المهنية و الاجتماعية ، بحيث تصبح عملية متابعة ، و بطبيعة الحال هذا لا ينفي وجود اختلاف في الوظائف ، و المسؤوليات
إن مناقشة و مراجعة بعض القوانين الحالية في العالم العربي والجزائر خاصة المتعلقة بالإعلام تعتبر ضرورة ملحة في عصر تكنولوجيات الإعلام ، لتفتح مجالا أكبر للوصول إلى المعلومة و إلى حماية الصحفي من المتابعات التي تعيق نشاطه ، و ذلك طبعا في ظل الأطر القانونية . فالهوة لا زالت واضحة بين ما شهدته هذه الوسائل من تطور و ما بين الحريات و لذا لا يمكن القول بمناخ جاد للإبداع في غياب الحرية الحقيقية .
5- الحق في المعرفة : لقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثالث ماي من كل سنة كيوم عالمي لحرية الصحافة و كان ذلك في ديسمبر 1993 و في هذه السنة 2010 اقترحت اليونيسكو أنها سنة للحق في المعرفة .
و لذلك يبدو من المنطقي ان تتناغم الرسالة الاعلامية مع المعرفة و الحرية و حمايتها بضوابط قانونبة تتيح الوصول الى المعلومة و الارتقاء بها الى مجتمع المعرفة و بالتالي المساهمة في التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، لأنها وظيفة من وظائف الاعلام .
فعلا إن المعرفة هي أساس الحضارات و الرقي وليس فقط المعرفة كابستمولوجيا و لكن كحق في الاطلاع بصورة حقيقية عما يجري من أحداث ، حتى تصل الرسالة الإعلامية بكل أمانة و صدق و دون قيود و لكن بضوابط قانونية و علمية .