- |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
عندما تتحول الذات من موضوع معرفة إلى ذات عارفة عندها تتحقق فاعلية الفرد في المجتمع و تنطلق آليات تحقيق البناء الفكري و الحضاري الفاعلة ،بيد أن المعارف لا تنزل على المرء وحيا من السماء-باستثناء الأنبياء و الرسل عليهم السلام و الصلوات-، إنما هي عمليات تراكمية تبدأ من القراءة و المطالعة ، ثم تنمو ،، و هي مكوّن رئيسي للمعرفة و الشخصية لدى الفرد و خاصة الطفل ، و في هذا المقال نبحث عن اشكاليات تنمية المقروئية و ادوارها لدى الطفل و خاصة في الجتمع الجزائري .
المقروئية لدى الأطفال
بقلم الأستاذ : بيزيد يوسف
تشكل مرحلة الطفولة طفرة عطاء متدفق و بداية لمرحلة نمو بيالوجي و فكري و وجداني ، إنها بداية لنبع من الحياة تكمن فيها قوى الإبداع الفياض ، و توقد فيها روح جديدة لمراحل انقضت عند الكبار ، و يعتبر الطفل الكائن الإنساني الأفضل لتلقي المدارك و المعارف الايجابية و صورة نمطية مثالية للتنمية البشرية المتوازنة انطلاقا من هذا العمر.
و إذا كان الإبداع هو نتاج و مخرجات لعمليات دقيقة و مكتسبات متنوعة تتم عبر مراحل في مخيلة الطفل بطريقة واعية أو غير واعية فإنها بطبيعة الحال تتطلب مدخلات تنطلق من مجموعة من العوامل و من أهمها و أبرزها القراءة ، إضافة إلى مجموع الممارسات المكتسبة انطلاقا من الأسرة إلى المدرسة ثم المجتمع و أخيرا البيئة بصورة عامة بما تتوافر علية من حركيات و سلوكيات والتي يمكن من خلالها تشكيل بنية فكرية و منظومة معرفية بحسب طبيعة المادة المقروءة و مستوياتها ، و قبل الخوض في هذه النقطة ،. بدءا لا بد من معالجة مسألة المقروئية ، فقد استطاعت المجتمعات الراقية أن تشكل نقلة نوعية في مستويات المقروئية و أن تحول الفرد من مستهلك للقراءة إلى منتج و مبدع ، و نقصد هنا بمنتج أي متفاعل و مكون لمقومات شخصيته ليصبح ذات فاعلة و واعية بطريقة ايجابية .
و إذا ما قمنا باستطلاعات لمناهج الكتب و المدارس باعتبارها الأكثر مقروئية لدى الطفل في بعض البلاد العربية نستكشف بمجرد أخذ عينات أن المواد المقدمة تكاد تكون جافة و موجهة بطريقة علمية و لكنها قد تفتقر إلى الروح الجمالية الإبداعية التي تتفاعل مباشرة مع الطفل ، و هذا ما عبر عنه مثلا رابح خيدوسي مدير دار الحضارة للنشر و التوزيع و التي تعتبر رائدة في كتاب الطفل بقوله أن المقروئية لدى الطفل الجزائري قليلة جدا و هي شبه غائبة مرجعا ذلك إلى عدم و ضع إستراتيجية خاصة بالثقافة عامة و بثقافة الطفل خاصة .
و قد يتعجب البعض إذا علم أن الجزائري لا يقرأ –نعم " الجزائريون لا يقرءون - بهذا المفهوم إلا النزر اليسير ، فلا يزال معدل القراءة في مستويات جد منخفضة مقارنة بالنسب العالمية فالمعدل العالمي يعطي لكل فرد أربع كتب بينما معدل قراءة الفرد العربي على المستوى العالمي هو ربع صفحة ويصل متوسط قراءة الأمريكي إلى 11 كتابا و البريطاني إلى 7 كتب .. و نصيب الجزائري نصف كتاب من الكتب التي تتوفر عليها الجزائر بحسب إحصائيات وزارة الثقافة -15 مليون كتاب – و لا نقصد هنا معدل القراءة في حد ذاته بل عدد الكتب -
أما الدكتور كمال بطوش خبير المكتبات من جامعة قسنطينة يوضّح أن معدل القراءة في الجزائر لا يتجاوز 0.0003 بالمائة ، و فضيل بومال يؤكد بأنه لا توجد سياسة واضحة في النشر و التوزيع و السعر للكتاب في الجزائر سواء للأطفال أو الكبار،
و أن أكبر فئة من حيث نسبة المقروئية هم الطلبة بنسبة 3 بالمائة على أن مطالعتهم استهلاكية لا إنتاجية . و انخفاض المقروئية عند الأطفال و الكبار بحسب الباحثين له تأثيرات سلبية على التنمية و المردود التنموي .
و إذا تأملنا جيدا الأسباب الحقيقية لذلك نجد ها تتمثل في مستوى الدخل الفردي و سعر الكتاب الباهظ و ظهور وسائل إعلامية بديلة ، إضافة إلى ضعف و هيكلة المكتبات ، فالجزائر لا تمتلك 250 مكتبة حقيقية من أصل حوالي 560 مكتبة غداة الاستقلال و يأخذ الطفل نصيبا ضئيلا منها ، و مدن مثل وهران أو عنابة أو قسنطينة بمثل كثافتها لا توجد فيها سوى مكتبة واحدة في كل مدينة منها. و الحديث عن المكتبات و القراءة في القرى و المداشر يصبح نوعا من العبث .
و إذا كانت الجزائر أحسن حال من بعض البلاد العربية في معدلات الأمية حيث تصل إلى 21.36 بالمائة و في المغرب تصل إلى 38.5 أما في بلد مثل السودان فتصل إلى 57 بالمائة ، و هناك اختلاف في مستويات الأمية من بلد إلى آخر وصولا إلى الأدباء و العلماء ..و قد يكون في هذه الشريحة الكثير من المتعلمين لأن الأمية بمعناها الحقيقي لا تتمثل في فك رموز الحروف أو كتابتها إنما كما قال الدكتور إبراهيم الفقي :"- فرق بين مشاهدة مسلسلات الكرتون و البقاء لساعات طويلة ـأمام السبايس - تون و قنوات الكرتون فهي عند البعض أفضل من أخذ قصة و قراءتها ... و الشباب عندنا خاصة تلاميذ الثانوي و بدرجة أكبر طلبة الجامعات –يستمتعون بنسخ البحوث القديمة و اجترارها أمام الأستاذ أو في البحوث الأكاديمية سواء في سنوات الدراسة أو عند التخرج ...فالذين يحبون القراءة يهتمون بالجرائد دون المجلات و الكتب ، و هكذا لا يكون هناك تطور علم و لا أدب و لا فن " .
إذا هذا هو حال الكبار فما بالكم بحال الأطفال الذين لا يزال المجتمع ينظر إليهم على أنهم يجب أن يلقنوا معارف و مدارك تقتضيها حاجيات تعليمية و تنموية و سياسية بحتة و في الكثير من الأحيان ضحية ايديولجيات معدة سلفا ، و كذا غياب لغة التخاطب سواء في الكتابة عن الطفل أو الكتابة للطفل. و بالتالي قد لا يكون لهم نصيب في تنمية مداركهم و معارفهم و من ثمة غياب التنمية البشرية الهادفة التي لا تعتمد على عناصر الاتصال و التواصل إنما تبقى في كثير من الأحيان في مرحلة الاتصال " مرسل إليه " أو متلقي دون أن تنتقل إلى مرحلة التواصل و التفاعل .
و في محاولة لاستدراك هذا الواقع المرير للمقروئية في الجزائر أكدت في أكثر من مرة خليدة تومي وزيرة الثقافة أنه من الضروري إنشاء لجنة تحقيق لتولي تلك العملية ، و أكدت في افتتاح الصالون الدولي للكتاب أن المطالعة في الجزائر مسئولية المدرسة التي عليها أن تتكفل بتحبيب القراءة لدى الأطفال ، بل و نادت الصحف التي هي الأخرى معنية بالمهمة الرفع من نسب المقروئية و ذلك بتخصيص مقالات يتم من خلالها تقديم الكتب الصادرة عن دور النشر الجزائرية أو الأجنبية ، و قد تكون هذه إجراءات عملية ، لكن في رأينا الأهم هو تخطي مراحل اللجان إلى مشروع مجتمعي و إستراتيجية فاعلة تتجاوز التقارير إلى رسم معالم المستقــــــــبل و تبقى شاهدة لهذه المرحلة العويصة و تبني دعائم مراحل استشرافية و ذلك بتفعيل كل الإمكانيات و الموارد .
إن جلّ شعوب العالم المتحضر بنت تقدمها العلمي و المادي من الانبعاث الفكري و القراءة المبدعة و المنتجة و خاصة عند الطفل كونه الأرض الخصبة التي يمكن أن تنتج الطيب و بذرة المستقبل و روح الإبداع المتدفق، لأن القراءة و تنمية الأدب تشغل حيزه الوجداني و مخيلته عن سفاسف الأمور و يرتقي من خلالها بمعارفه و مداركه وبالتالي تهذب أخلاقه و سلوكه إلى ما هو أفضل .
كما تكمن أهمية المقروئية لدى الطفل بان تجعله أكثر مرونة في نظرته إلى الحياة بديناميكية لا ستاتيكية و كذا التمتع بالشجاعة الأدبية و الرغبة و الإقدام على اقتحام الأشياء و استكشاف مجالات البيئة و المحيط إضافة إلى اكتساب رصيد معرفي و علمي يؤهله إلى الانتقال إلى فك أبجديات الحروف و طلاسم المعرفة ..و من هنا تنتقل القراءة من مجرد القراءة السطحية إلى القراء العميقة و الواعية ثم الفاحصة و الانتقائية و هذا بطبيعة الحال لا يتطلب فقط تشجيع و تدخل الكبار من والدين و أسرة و إنما كذلك رسم إستراتيجية موجهة من قبل الدولة و مؤسساتها ، و محورها هنا هو وزارة الثقافة التي تستطيع وضع إستراتيجية متكاملة لكتاب الطفل و أدب الطفل و المساهمة في بناء فضاءات للأطفال من أجل تنمية معارفهم و مهاراتهم و يكون ذلك ليس فحسب بتخصيص الميزانيات إنما كذلك بتفعيل كل الوسائل من أجل تدعيم كتاب الطفل و إنشاء مكتبات حقيقية للأطفال متكاملة تضم كتبا و أنشطة متنوعة تجعل من الطفل عنصرا فاعلا لأنه هو مستقبل البلاد و روحها المتوهجة ، و يمكن من خلاله تدارك نقائص الأجيال السابقة و قد قالت المربية الكبيرة " منسوري "على لسان طفل حسب ما أورده الكاتب عدنان السبيعي في كتابه الصحة النفسية لأطفال الروضة (أيها الكبير تعلم كيف تحيا ،تعلم كيف تجعل حياتك أجمل وجود و أقرب للفطرة ، إنها حياة البساطة و النبل ).
|
|
|
|
|
|
|
عـــداد الـزوار 36489 visitors
-Copyright.....WWW.BAIZID-YOUCEF.FR.GD
|
|
|
|
|
|
|
|