جدلية السلطة و المجتمع
السيف ..الجوهرة .. المرآة
بقلم : بيزيد يوسف
لم يكن يدور في خلدي أن أكتب هذا المقال ،إلا بعد أن قرأت ما كتبه صديقنا المحترم دودي محمد البشير مدير جريدة الحوراء في هذه الجريدة الغراء – التي فتحت أفقا رحبا للحرية و الكتابة الصحفية - من مقال رائع ملفت للانتباه و بطريقة موضوعية حول ما يجري من صراع داخل جبهة التحرير الوطني بالوادي ، و بغض النظر عن عدد هذه الحوادث في هذا الحزب في هذه المنطقة و عدد مرات الصراع وما تصل إليه من عراك و اقتتال ينم عن سلوكيات واضحة المعالم قد لا تمثل بآي حال الصـورة الحقيقية لهذا الحزب أو ذاك إنما عن حقيقة أصحابها و مآربهم و نواياهم من سياسيين و مرتزقة السياسة ، فإن آليات العمل السياسي تنحو في جميع المجتمعات إلى لغة العنف بدل الحوار كلما انتفت الأدبيات السياسية داخل هذه التنظيمات أو تغلبت مصلحة على أخرى ، لكن الهدف الأخير و النهائي لجميع السياسيين و جماعات المصالح و الضغط هو السلطة ، و لذا ارتأيت أن أكتب عن هذه الظاهرة – السلطة - التي كانت و لا تزال و ستبقى تستحوذ على ألباب الكثيرين من حيث هي مفهوم و ممارسة ، و التي طالما ارتبطت مرة بالقمع و الهيمنة و مرات بالقانون كما قد تختلف في مراتبها و قيمها من مجتمع إلى آخر و لكنها عادة ما اقترنت و تقترن بالدولة .
عندما نقارن عالمين عالم متقدم تجرى فيه الانتخابات بروح مسئولة و شجاعة و تكون عمليات فرز النتائج الانتخابية أو التداول و ممارسة السلطة بطريقة ديمقراطية مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في بريطانيا ، و في النهاية لا تسجل حادثة انتهاك واحدة و تكون النسب متوازنة و بإقرار الجميع فإن ذلك يؤشر لمدى تطور هذه المجتمعات .
و لكن في المقابل في دول أخرى تجري الانتخابات في حالات استنفار قصوى و تظهر أحزاب ميكروسكوبية و تقام الولائم لاقتسام الغنائم و الكل يعرف النتائج سلفا و بنسب معدة سابقا و ربما تأخرت النتائج أو أعيدت الانتخابات أكثر من مرة ، فإن الإشكالية تبقى في تقاسم السلطة و الثروة و ذلك يطرح أكثر من تساؤل حول حركية هذه المجتمعات و آليات الإنتاج و إعادة الإنتاج الاجتماعي و مدى توافق التطور العلمي و الفكري مع الممارسة السياسية .
كنت أحبذ دائما أن أطالع حول المجتمعات الغربية و الشرقية المتطورة ومنها خاصة اليابان باعتبارها معجزة و تستوقفني في بعض الأحيان ليست فحسب مظاهر التمدن إنما أدبيات و أفكار و فلسفات هذه المجتمعات و نظرتها للأشياء .
ففي نظريات الأدب هناك نظرية يطلق عليها توظيف الأقنعة و هي فن من فنون المسرح الياباني و الذي تعطى له أهمية بالغة لفتت انتباهي نظرة المجتمع الياباني للسلطة و ميكانيزم العقل الياباني المبدع , حيث تتم عملية توظيف الأقنعة في الأدب الكلاسيكي بصورة رمزية مبدعة و منها توظيف السيف و الجوهرة و المرايا ، فالسيف عند الياباني يرمز للقوة و هو رمز للسلطة و لكنه في نظره غير كاف لأنه ليس بمنأى عن ثورة الضعفاء ، أما الجوهرة فهي رمز المال و الثروة و لكنها غير كافية لأنها ليست بمنأى كذلك عن ثورة الفقراء كما أنها فد تقوم على اللاعدل في توزيع الثروة ، أما المرايا فهي سر و رمز العقل و بالتالي نبراس المعرفة ، لأن المرء عندما ينظر إليها يبدأ في عملية التفكير حول محاسنه و مساوئه ، و بالتالي ينتقل إلى مرحلة فكرية أعلى في معرفة ثم إدراك البيئة المحيطة به على أساس أن الإنسان كائن عاقل و هي النظرية التي انطلق منها بعض المفكرين المسلمين فيما أطلق عليها بنظرية المعرفة .
عندما تتحول المجتمعات إلى استخدام القوة و تتناقص و تتلاشى لغة الحوار يتزايد العنف اللفظي و السياسي و الاجتماعي و هو نوع من التنشئة السياسية و الاجتماعية و بحسب بعض المصنفات التي تعالج التطرف و الإرهاب و تناقص التسامح و منها مصنفة –جوش- فإنها عامل من عوامل تنامي التطرف و الإرهاب ، و هي تنمو من أبسط فرد الى أكبر مسئول. و عندما تغلب سيطرة المال و تتحول الى صراع متوحش حول المال و الثروة و اختراق القوانين أو توظيفها لمصلحة معينة ليحدث تحالف المافيا المالية و السياسية فإن مؤشرات الفساد و تداعياته تتزايد و تنطبق عليه شروط الأقوى و التناقض الاجتماعي يزيد نحو التباين ، و في المقابل نجد أن الكثير من المجتمعات أدركت سر التطور و شروط الإقلاع الحضاري الحقيقية و التي قال عنها مالك بن نبي في معادلة الناتج الحضاري و أحد أسسها الجوهرية هي بناء الإنسان معرفيا و علميا حتى يدرك مفهوم القوة و الضعف و الغنى و الفقر و الجهل و العلم ، لأن العالم يتجه في منظوماته و نسقه نحو لغة المعرفة و التكنولوجيا .
فهل القوة وحدها كافية للاستيلاء على المقاعد و فرض الوجود ، و هل المال باستطاعته أن يشتري المقاعد و الأصوات ؟ بالطبع لابد من إعادة النظر في هذه المعادلة التي ينقصها عنصر أساسي و هو المعرفة و العلم . حتى تتناغم السلطة و المجتمع مع ميكانيزمات التغير و التكيف في عالم التطور و التكنولوجيا و التسارعية المتزايدة .
|