كاميرون زعيم المحافظين سيدير دفة الحكم في بريطانيا
- قراءة في الانتخابات البرلمانية البريطانية ماي2010- ..
بقلم :بيزيد يوسف
حرّر بتاريخ 12 ماي 2010 .
بعد معترك سياسي حاد شهدته الانتخابات البرلمانية في بريطانيا في هذا الشهر ماي 2010 ،و الذي جاءت نتائجه لصالح حزب المحافظين ستشهد بريطانيا تحولا كبيرا في الحكم و إدارة دفة السياسة . إذ تعتبر الديمقراطية البريطانية من أعرق الديمقراطيات في العالم التي تتخذ من النظام البرلماني نموذجا لها مع أنها ملكية بحيث أن الملك يملك و لا يحكم . و حسب المحللين و الملاحظين فقد اتسمت الانتخابات في هذه المرة و ككل مرة بصراع حاد و خاصة بين ثلاثة أحزاب رئيسية و هذه الأحزاب هي : حزب المحافظين و حزب العمال و حزب الديمقراطيين الأحرار مع وجود أحزاب أخرى و لكنها اقل فاعلية و تأثيرا كحزب الخضر الذي فاز بأول مقعد له في مجلس العموم عن مدينة برايتون الساحلية ، أما زعيم الحزب القومي البريطاني اليميني –نيك جريفن- و الذي اشتهر بعدائه للمهاجرين و عنصريته فقد خسر في دائرته الانتخابية أمام مرشحة حزب العمال ، و في النهاية أسفرت النتائج الأخيرة عن فوز المحافظين بعدد اكبر من المقاعد مقارنة بحزبي العمال و الديمقراطيين الأحرار حيث أشارت آخر النتائج إلى :
أن حزب المحافظين حصل على 306 مقعدا في البرلمان أي 95 مقعدا عما كان عليه في انتخابات عام 2005 ، و لكن بأقل من 19 مقعدا على الغالبية المطلوبة لكي يشكل الحكومة بمفرده من بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 749 مقعدا .
أما حزب العمال الحاكم فقد حصل على 258 مقعدا ، خاسرا بذلك 91 مقعدا ،
أما الديمقراطيون الأحرار فقد حصلوا على 57 مقعدا مقابل 62 كانوا قد حصلوا عليها عام 2005 .
صراع من أجل حكومة أغلبية :
و بما أن حزب العمال لم يستطع تشكيل الائتلاف مع حزب الديمقراطيين الأحرار بعد محاولات جادة من قبل- جوردن براون- زعيم العمال و رئيس الوزراء قبل أن يستقيل و ذلك نظرا لنقاط اختلاف رئيسية بينهما و منها
- أن حزب الديمقراطيين يطالب بإلغاء بطاقات الهوية
- و إنشاء مدرج ثالث في مطار هيثرو
إضافة إلى نقاط خلافية أخرى لم يستطع أن يوفق في إيجاد حل لها ، لذلك على ما يبدو آثر الاستقالة تاركا بذلك المجال أمام- ديفيد كاميرون - زعيم المحافظين لتشكيل الحكومة ، و هذا ما صرح به هذا الأخير يوم 11 ماي 2010 على اثر جلسة له مع ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية ، و بما أن حزبه – المحافظين - حاز على عدد اكبر من المقاعد ،و لكنه في المقابل سيتوجب عليه احد الحلين إما العمل بحكومة الأقلية التي قد لا تضمن عمرا طويلا لأنها في كل مرة سوف تجد معارضة من حزبين و هما العمال و الديمقراطيين الأحرار و بالتالي ستجد أمامها عقبات و حواجز في التصويت مما يجعل عمرها قصيرا ، أو أنها ستلجأ للائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار حتى تكون حكومة أغلبية في حال التصويت و لكن بالمقابل سيكون ذلك مقابل ضمانات من قبل المحافظين و منها حصولهم على حقائب مهمة في الحكومة ، و مما تسرب إلى الصحافة أن - نيك كليج – سيحصل في حال الائتلاف و الاتفاق على منصب نائب لرئيس الوزارء و على حقائب هامة مثل وزارة الخزانة و التربية ، و في المقابل حتى يقبل حزب المحافظين بهذا التحالف على ديفيد كامرون إرضاء المحافظين المتطرفين من حزبه كذلك .
و لعل من ابرز مطالب الديمقراطيين الأحرار أن يكون عمر البرلمان في كل فترة انتخابية 4 سنوات فحسب .
و مع استقالة -براون - و انتقال رئاسة الوزراء إلى- ديفيد كاميرون- فإن الحكم في بريطانيا سيتغير دون شك و ذلك نظرا لاختلاف الزعماء و إيديولوجية الحزبين وكذا مع وجود خلافات من جانب آخر بين المحافظين و الديمقراطيين الأحرار و منها أن أي لتفاق يجب ألا يعطي الاتحاد الأوربي صلاحيات أوسع و أن يتم التعامل بحزم مع موضوع الهجرة و المحافظة على القوة العسكرية البريطانية و خاصة ما بتعلق بالخلاف بشان تطوير برنامج الصواريخ النووية ، و في المقابل أكد -كاميرون -على ضرورة أن تحقق هذه الحكومة الاستقرار السياسي و الاقتصادي مع التأكيد على الحاجة للإصلاح فيما يتعلق بالنظام الانتخابي لاستعادة ثقة الناخبين في العملية السياسية .
لقد كانت السياسة البريطانية تعمل وفق ميكانيزمات ثابتة و خاصة في مجال السياسة الداخلية و يعتبر البرلمان البريطاني فاعلا في عملية تحريك عجلة السياسة في بريطانيا و تبقى دائما المعارضة جادة في طرح أرائها ومواقفها الحاسمة و هذا ما حدث سابقا مع -طوني بلير- أمام مجلس العموم حيث كان في ذلك الوقت- براون - وزيرا للخزانة و هذا الأخير بدوره شهد مراحل صعبة في إدارة كفة السياسة البريطانية و خاصة بعد فضائح و منها مخصصات النواب و غيرها ، و هي من العوامل التي أدت إلى تراجع شعبية حزب المحافظين و أثارت جدل كبير في فترة حكم –براون -.
معالم السياسة الخارجية البريطانية : على الرغم من أن فترة حكم -طوني بلير- اتسمت بالمشاركة في حرب الخليج و تدخل القوات البريطانية في العراق و أفغانستان و هو ما جعل طوني بلير الرئيس الأسبق للحكومة يلاقي انتقادات لاذعة من خصومه ، إلا أن فترة- براون- كانت أكثر مرونة و لم يتورط في حروب أخرى و إن لم تتغير السياسة البريطانية الخارجية و هو المنحى ذاته الذي تتجه إليه حكومة المحافظين فقد صرح كاميرون بان بريطانيا ستكون أكثر انفتاحا في الداخل و تسامحا في الخارج و على ما يبدو أن السياسة البريطانية الخارجية ستحاول إثبات حراكها على الساحة الدولية و لن تتغير بطبيعة الحال مواقفها من كبرى القضايا العربية و خاصة في الشرق الأوسط ، و هو ما يبين أن السياسة في بريطانيا ليست سياسة حكومة بل هو نظام دولة متكامل ، قد تحدث الاختلافات في التكتيكات لكن الاستراتجيات تبقى واحدة على الرغم من حدة الصراع و المناظرات التي تشهدها الحلبة السياسية في هذه الدولة ، و يبدو أن بلدا مثل بريطانيا الذي تناهز مساحته البحيرات الكبرى في الولايات المتحدة أي حوالي 250 ألف كلم 2 ، فاعليته أكبر بكثير من العديد من الدول على المستوى العالمي و يبدو أن المحافظة على هذه المكانة رهينة بالدرجة الأولى بالاستقرار الداخلي و آليات العمل السياسي .
|