هل تستطيع جمهورية الفايس بوك أن تطيح بالأنظمة الطاغية
بقلم : بيزيد يوسف -
لا تزال آلية التناغم بين المجتمع المدني و الجماهير الشعبية بمختلف شرائحها و فئاتها تسير بوتيرة محزنة فعلا في بعض البلاد العربية ، و ذلك على الرغم مما يشهده العالم العربي من غليان نستشف منه أن ضرورة التغيير و الإصلاح أصبحت حاجة ماسة في المجتمعات العربية ، لأن دفق و زخم التغيرات في مختلف المجالات سوف يعصف بطريقة أو أخرى بالأساليب البالية و القديمة ،،فتجد قاموس رجل السياسة قد لا يختلف عن قاموس رجل القانون و لا رجل الأمن ليس اصطلاحا فحسب بل ممارسة عملية ، و قد تسوق بعض أجهزة الإعلام التي أصبح الكثير من الناس لا يثقون فيها و يتوجهون لقنوات أخرى بديلة بحثا عن الحقائق ، لأنها أتقنت فن المدح و المواربة و ابتعدت عن نقل الوقائع كما هي ، حتى أن مختلف الفئات سئمت هذا النوع من الإعلام و أصبحت تتندر بمثل هذه التمثيلية السياسية التي أطرافها أحزاب سطحية في أفكارها و ممارستها و لا توجد مساحات فاصلة عندها بين السلطة و المعارضة ، و هو العكس في البلدان الغربية فمثلا في الولايات المتحدة ،الحزب الديمقراطي كان في المرحلة السابقة معارضا و هو اليوم حاكما و هكذا دواليك ,
أما نموذج الحكم الشمولي فلا تتغير لديه عجلة التاريخ و الزمن ، و لربما تعدى الأمر إلى محاولة فرض هذه المقاربة الأحادية على العالم بأسره إن تمكن من ذلك ،
و هكذا و بلا استحياء يطل عليك في القرن الواحد و العشرين من يقول لك مثلا أن الفايسبوك مشبوه و لابد له من ترسانة قانونية – الترسانة طبعا موجهة ضد المواطن الذي قد يجد فيه متنفسا لا للفايس بوك الذي تحميه القوانين و الديمقراطية و التي أصبحت جمهوريته تطيح ببعض الأنظمة- و من ثمة لتكميم الأفواه و تدجين الفكر و الرجوع إلى عصور سابقة تتفنن بأساليب أكثر ذكاء و وحشية و في تكبيل الحريات بعد أن تفننت في تقييد الأيادي و الأقلام و حرية التعبير ،ـ و أسلوب العجز و الاتهام لا يوجد إلا في بعض الأنظمة الطاغية ،، ففي كل دول العالم توجد شبكات للتواصل الاجتماعي و هي تدعو بكل دين و مذهب و إلى كل لا دين ولا مذهب و تتطاحن و تتناغم فكريا في عالم افتراضي في ما بينها ، بينما يبقى عالم الطابوهات المحظورة لا متناهية في المجتمعات المتخلفة لأنها تخشى التغيير، ليس فحسب إلى الأسوأ بل كذلك إلى الأحسن ،،أليس من العيب الفكري أن نعتبر موقعا مثل الفايس بوك معارضا أو العكس ؟ ، لأن محتوى و مضمون الفكرة لصاحبه ، و بدل ضرب الحجة بالحجة و البينة بنقيضها ، نجد من يدعي واهما أنه سيبطئ و لربما سيوقف عجلة التاريخ و التغيير ، و بدل أن يتناغم مع التطور و يدعم تقدمه بآليات و قيم جديدة ، تجده يتقوقع بحجج التآمر و المعارضة و الأيادي الخفية و غيرها من المسميات و الأسماء ، هذا العالم الافتراضي الذي جعل من الأفكار فضاء لا متناهي و لا حدود له ، يشير إلى ضرورة تطوير الذات ،
بالفعل أصبح الكثير من الناس يعيشون عالما افتراضيا لا يمت لعالمه الواقعي بصلة ، و لكنه في واقع الحال يؤشر إلى ضرورة التعامل معه بطريقة علاجية ايجابية باعتباره حالة صحية ، لا بالردع و العقاب و التخوين ، و هو ما جعل الأنظمة البالية تتداعى و تتساقط لأنها لم تطور و لم تقم بتحديث أنظمتها مع سيرورة التطور و العصر ،
يستطيع صاحب السلطة اليوم أن يمنع جريدة تزعجه أو أي وسيلة إعلامية لأنها تعبر بكل حرية و صراحة و جرأة و ربما لجأ إلى مضايقتها و توقيفها ولكنه من المستحيل أن يمنع الأفكار من أن تولد في المخيلات و الفكر الواعي أن يحلق عاليا في تداعياته و العقل المتحرر أن يسبح في فضائه اللا محدود ، و لما قد تتحول هذه الفكرة الواعية إلى واقع ملموس ، و لأن الفكرة الحرة و القلم الجريء الصادق هما نبراس الحق فلن توقفهما الوسائل البدائية إلا بالاغتيال و هو ما عبر عنه الدكتور" برهان غليون" باغتيال العقل ،، و على الرغم من أن العقل العربي قد اغتيل منذ أزمنة بالتقييد إلا أن التولد الذاتي ما زال مستمرا و الفكرة تبقى خالدة و لا يمكن اغتيالها ، بل أصبحت مساحات انتقالها أكثر اتساعا ،من خلال مجالات الانترنت التي ولدت هذا التواصل وحتما لن يرجع الزمن إلى الماضي لأنها سنة الله في خلقه ,
ليس غريبا أن تمارس كل وسائل القمع لإثناء قلم أو كتم صوت يصدح بالحق و الحرية ، ينادي بمحاسبة المتسببين في الفساد و النهب المقنن للمال العام و بتحالف مافيا السياسة مع مافيا المال و المخدرات ليس فحسب في المجتمع السوفي بل كذلك في الجزائر و العالم العربي و كل من له تواصل بمحيطنا الضيق أو المترامي ، و الذي لا يعصف فحسب بالأنظمة الاجتماعية و يقوم بتفكيك و تخريب بناها ، بل كذلك بالأنظمة السياسية و لأنه و من المؤسف في بعض البلاد العربية تهاوي النظام السياسي يعني تهاوي الدولة بكاملها بما تحمله من تعار يف : من سلطة و إقليم و شعب ، لأن المؤسسات الديمقراطية و بناها كانت غائبة و مغيبة ,
في زمن مضى من عهود الإغريق ، وجد الناس فيلسوفا يحمل –فانوسا- أي مصباحا في عز الظهر و الشمس مشرقة ، فتعجبوا و قالوا هذا الرجل أعقلنا و لكن ما باله يحمل فانوسا و يبحث عن شيء ما في الظهيرة ، فسألوه ، فأجابهم فتشت عن الفضيلة ، و لكني لم أجدها ,
فعلا هي المنظومة الأخلاقية و القيمية التي يمكنها أن تنتج منظومة قانونية و إنسانية راقية تطور المجتمع و تنسجم مع التغيرات السلوكية ، و تتناغم ايجابيا مع التطورات الحاصلة و تضمن حرية الفكر و الإبداع و تحمي الفرد ليدافع عن أفكاره و مجتمعه و بني جلدته و غيرهم من عالم الإنسانية و يصبح مفهوم الوطنية ليس شعارا يتاجر به بل انتماء لأنه يحمي الحريات لا يقيدها ، و ليس انتماء جغرافي مرتبط بحيز مكاني بل هو هوية حقيقية ,
و هذا ما يشهده العالم الغربي الآن على الرغم من كل تناقضاته ، و ليس من الغريب أن تجد في دولة مثل بريطانيا فيها آلاف الجرائد التي تطبع و تنشر مجانا و تكاليفها تكاد تكون رمزية ، بينما يبقى من القدر على الإعلامي و رجل الفكر الحر و صاحب القلم أن يعاني وراء التعقيدات و التكاليف و الجهد الجهيد في بعض البلاد العربية ، و في آخر المطاف سيطل علينا البوليس الفكري الجديد الذي يراقب أفكارنا و يمنعها من أن تتحول إلى أحرف و كلمات و عبارات و أن تضع لنفسها حيزا صغير بين شبكة المعلومات الدولية بحجة حفظ الأمن العام ,