تقرير الإستراتيجية النووية لإدارة أوباما رسالة لإيران وكوريا الشمالية
*- بيزيد يوسف
نشر في مستهل شهر أفريل 2010 تقرير الإستراتيجية النووية لإدارة أوباما في الصحف الأمريكية و تنوعت الآراء بين مؤيد و معارض و كقراءة لهذا التقرير و إستراتيجية إدارة أوباما في إدارة السياسة الخارجية يمكن أن نتوقف عند جملة من النقاط و منها في البدء :
ما الذي غيّره أوباما :
كانت فعلا المفاجأة كبيرة عندما أفرزت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية فوز أول رئيس من أصول افريقية ، و الذي تتناغم فيه مجموعة من الخصائص الاثنية و الدينية و الثقافية تجعل منه قادرا على فهم نمطية المجتمع الأمريكي .
حسين باراك أوباما الذي قال ذات وقت عن نفسه أنه ربما في وقت ما لم يكن يطمع حتى في أن يكون نادلا في مطعم ، أصبح اليوم رئيس أعظم دولة في العالم .
المفارقة لا تنتهي عند هذا الحد بحكم أن أوباما حسبما يجمع الكثير من الملاحظين أحدث طفرة في انتقال الرئاسة لغير الجنس الأبيض في أمريكا التي كانت تعاني من العنصرية إلى وقت قريب و لا في انتقال الزعامة من حزب إلى حزب ، إنما كانت كردة فعل عن فشل سلفه -بوش الابن - في الخروج من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الخارج و ما صاحب ذلك من ردود مضادة رغم اعتماده على إستراتيجية أطلق عليها إستراتيجية الاندفاع Surge ، حيث أن «الاندفاع.. يفترض ضرورة التعاطي بهجومية غير مسبوقة مع القضايا المؤجلة» وأن «أمريكا مع «الاندفاع» اقرب إلى استعادة المبادرة، لأنها أخذت تفعل ما تفعله أي قوة عظمى، أن تدير تناقضات الآخرين، لا أن تكون جزءا منها».
واليوم نقترب من النقطة التي لا بد وأن يتم عندها تقويم تلك الإستراتيجية، وإعلان شهادة نجاحها أو وفاتها من قبل المسئول المباشر عنها: الجنرال باتريوس.و التي يبدو أن اوباما قد عدّل منها كثيرا ، و لكن في المقابل لم يستطيع أوباما أن يغير في دفة الحكم في أمريكا كما كان يأمل هو و بعض الآخرين من داخل و خارج الولايات المتحدة ، على اعتبار أن هذه الدول دولة مؤسسات و تفاعلات لمجموعة من القوى السياسية و مجموعات الضغط و التكتلات ، و بالتالي لم يتمكن من تغيير إستراتيجية النظام الأمريكي الذي يعتمد على مؤسسات فكرية و منطلقات إيديولوجية و قانونية ثابتة .
أوباما الرئيس ، هذا الرجل السياسي بالدرجة الأولى و المحامي السابق قد يستطيع أن بفرض تصوراته و أفكاره و برنامجه الرئاسي، و لكن هل له فعلا القدرة على تغيير سياسات أمريكا و خاصة الخارجية منها في العراق و أفغانستان ، حيث لم تحدث أي تغييرات هامة في إدارة دفة السياسة الخارجية الأمريكية على
اعتبار أن ميكانيزمات التكيف و التغير أصبحت عسكرية في
هاتين المنطقتين أكثر منها سياسية ، ناهيك عن الموقف من بعض القضايا الحساسة مثل الصراع في الشرق الأوسط و الملفات النووية في إيران و كوريا الشمالية ،
كان المنطلق الرئيسي و الفاعل في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية البراغماتية التي تحقق المصالح الأمريكية انطلاقا من نظرة واقعية وفق متغيرات البيئة الدولية و لذلك لم يتغير الهدف الأمريكي رغم تغير الاستراتيجيات و الوسائل و كان لدور المؤسسة العسكرية و الاستخباراتية و خاصة الخارجية و على رأسها وكالة الاستخبارات المركزية- السي آي أي- الدور البارز في إدارة الأزمات و الملفات و خاصة في أثناء فترات الحروب و الأزمات و محاربة الإرهاب في مختلف مناطق المعمورة و خاصة تنظيم القاعدة ، و لذا نشرت إدارة أوباما هذه الإستراتيجية و التي تناولتها الصحف الأمريكية بالقراءة و التحليل . و التي يمكن أن نستنتج منها بعض المنعطفات الهامة .
استراتيجية المجازفة :
و حسبما ما جاء في الوكالات فقد كتبت نيويورك تايمز أن إستراتيجية أوباما النووية الجديدة تنطوي على مقامرة محورية وهي أن الترسانة النووية الهرمة والأكبر من المعتاد والتي تصير عتيقة يوما بعد يوم يمكن أن تتحول إلى الهدف الجديد لتضيف سطوة إلى الجهود المترنحة لإرغام إيران وكوريا الشمالية على إعادة التفكير في قيمة برامجها النووية.
وأقرت الإستراتيجية التي نشرت بصراحة بأن الترسانة النووية الضخمة التي ورثتها أميركا من حقبة الحرب الباردة لا تتناسب مع مواجهة التحديات التي تفرضها الأنظمة الانتحارية والمعادية التي تسعى لامتلاك أسلحة نووية. طبعا يقصد بها إيران و كوريا الشمالية .
ومع ذلك فالإستراتيجية الجديدة تهدف إلى استخدام الترسانة لهذا الغرض فقط، رغم الشك الكبير بأن أي مذهب جديد أو مجموعة من إعلانات البيت الأبيض من المحتمل أن تغير حسابات كوريا الشمالية أو إيران. و لكنها بالمقابل كان من المفترض أن تدرس ردود أفعال مثل هذه القوى المناوئة .
وقد أشارت الصحيفة إلى أن إستراتيجية أوباما الجديدة تجعل من كل دولة غير نووية محصنة من تهديد ثأر نووي من قبل الولايات المتحدة. لكنها تستثني من ذلك إيران وكوريا الشمالية اللتين أسمتهما الدول "النائية" بدلا من تسمية بوش بالدول المارقة.
و هو يعكس التغير في النظر الى الأزمات والملفات و التعامل معها ،وكانت التسمية منتقاة لتوحي بإمكانية العودة إلى الاحترام الدولي وعدم استهدافها من قبل الولايات المتحدة.
وكما قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إن في هذا رسالة إلى إيران وكوريا الشمالية بأن الدول غير النووية الملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي لن تكن مهددة من جانب الولايات المتحدة حتى وإن شنت هجمات تقليدية وبيولوجية وإلكترونية.
وأضاف أنه إذا لم تلتزم تلك الدول بالقواعد الموضوعة وسعت لنشر أسلحة نووية فإن كل الخيارات ستكون مطروحة.
وأشارت نيويورك تايمز إلى جدل عدد من المحللين بأن استهداف الإدارة الأميركية إيران وكوريا الشمالية علنا يمكن أن يعزز موقف المتشددين في هذه البلاد الذين جعلوا من قضية الأسلحة النووية السبيل الوحيد لضمان سلامتهم ضد كيد الأميركيين.
وأضافت الصحيفة أن الإستراتيجية الجديدة تنقل ذلك المسعى خطوة أبعد بتحذيرها كلا البلدين بأن الولايات المتحدة ما زال بإمكانها استخدام ترسانتها النووية لمواجهة أي محاولة لبيع أو نقل الأسلحة النووية إلى إرهابيين.
كذلك فصلت الإستراتيجية في مجموعة من الآليات لتشكيل سلوك إيران وكوريا الشمالية وذلك بتقليل حجم مخزون أميركا وضمان أن الدول غير النووية داخل معاهدة منع الانتشار النووي معفية أو منحمية من أي هجوم نووي. وتأمل الإدارة من هذا تعزيز مصداقيتها لسد ثغرات كبيرة في المعاهدة التي استغلتها كوريا الشمالية وإيران ببراعة حسب البيت الأبيض .
استراتيجية بديلة :
وفي سياق متصل أيضا تطرقت واشنطن تايمز لفحوى إستراتيجية أوباما النووية بالتحليل وقالت إنها تضع كل الأسلحة النووية المطلوبة لخوض حرب نووية في موضعها الصحيح وتقدم تغييرات طفيفة في السياسة، وهي الخطوة التي تزعج دعاة الحد من التسلح الذين طالبوا بتخفيضات كبيرة في القوات الأميركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الإستراتيجية تغير كيفية استخدام الأسلحة النووية ضد دول ليست نووية وأن قوات الصواريخ النووية ستظل في حالة تأهب لإطلاقها خلال دقائق لصد أي ضربة نووية، لكن رؤوس الصواريخ البالستية بين القارات موجهة الآن على المحيطات المفتوحة، وليس المدن الروسية أو الصينية، في حالة أي إطلاق عرضي.
وأشارت إلى أن العناصر الرئيسية لإستراتيجية أميركا النووية أوجزها التقرير الصادر أمس في النقاط التالية:
- مواجهة انتشار الأسلحة النووية ومنع الإرهابيين من اقتناء واستخدام أسلحة نووية توصف بأنها خطر وشيك وبالغ.
- الإبقاء على قوة ردع نووية معتبرة بينما يتم خفض الأسلحة والصواريخ وأنظمة تلقيم قاذفات القنابل.
- تعزيز جهود الردع الإقليمي لحماية حلفاء الولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية واليابان وأوروبا.
- دعم الترسانة النووية العتيقة والبنية التحتية المتعلقة بها بتحديثات ولكن مع وقف تطوير رؤوس حربية نووية وقنابل جديدة.
كما ذكرت ذات الصحيفة أن هناك تخفيضات تتم في القوات الإستراتيجية الحالية لأن التهديد القادم من هجوم نووي روسي قد تلاشى وما زال تهديد وجود قوات نووية صينية أقل في العدد من القوات الأميركية الحالية..
لكن التساؤل الأهم هل ستتمكن هذه الإستراتيجية من وضع نسق و آليات فاعلة للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل و تضمن نوع من التوازن الدولي و ليست عملية سيطرة قوة أحادية بعد أن قللت من احتمالية المعادلة الصفرية التي قد تؤدي إلى دمار كل الأطراف ، و إلى أي مدى أن تشكل كل من إيران و كوريا الشمالية خطرا على المنطقة و الولايات المتحدة و تبقى فرضية الدبلوماسية الوقائية هي القائمة مع احتمالات قليلة لضربات استباقية ستكون تكاليفها باهظة و خاصة أن محمود أحمدي نجاد أكد أنه لن تجرؤ أي قوة على ضرب إيران ، فإلى أي مدى ستنجح هذه الإستراتيجية الجديدة و هل ستقلل من طموحات إيران النووية التي اختارت مؤخرا تركيا لتخصيب اليورانيوم مما سكب الماء البارد على الموقف الغربي ؟.