تحت المجهر ..
مشكلة المياه في وادي سوف،،
مياه في جوف الأرض وأخرى فوقها و سكانها عطشى
بقلم : بيزيد يوسف .
مشكلة المياه في العالم ..
يعتبر الماء أساسيا للحياة ، بل هو جوهرها بالنسبة لبني البشر، و قد قامت على ضفافه أكبر حضارات البشرية على مرّ التاريخ ، و من دونه لا يمكن للإنسان أن يعيش على وجهه هذه البسيطة ، و ذلك مصداقا لقوله تعالى :" و جعلنا من الماء كل شيء حي ".
و لقد شهدت البشرية حروبا و صراعات عبر الحقب التاريخية من أجل التحكم و السيطرة على المياه لأنه يعتبر مفتاح النصر . و قد توقع الكثير من الخبراء أن تكون الحرب القادمة هي حرب مياه .إذ أكدت تقارير نشرت عبر مواقع إعلامية بمناسبة اليوم العالمي للمياه أن العديد من النزاعات الحدودية و المعارك التي لا تزال تصنف على أنها حوادث قد تتحول إلى حروب مفتوحة بين بعض الدول و خاصة بسبب النقص المتزايد في هذه الثروة الطبيعية الحيوية .
و خاصة فيما يتعلق بالنزاعات حول الأنهار الحدودية أو تلك العابرة للحدود إضافة إلى الآبار الجوفية و المياه الباطنية المشتركة و التي ترفض بعض الدول تقاسمها أو تحاول استغلالها بمفردها و مثال ذلك الخلاف التاريخي بين اسرائيل و لبنان حول نهر الحاصباني الذي ينبع في لبنان و يصب في نهر الاردن و التي اتهمت اسرائيل لبنان بتحويل مجراه و قد كانت اسرائيل لهذا السبب احتلت شريطا حدوديا في جنوب لبنان يضم نهر الحاصباني.
و في تقرير فرنسي أشار إلى أن 15 بالمائة من بلدان الكرة الارضية تلتقى أكثر من 50 بالمائة من مياهها من دول أخرى ، و اثنان من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى أو الآبار الجوفية ،أي أكثر من 300 في العالم يتم تقاسمها بين دول عدة .
بينما رأت مؤسسة الاستشارات الدولية "برايس – ووتر هاوس – كوبرز" أن النزاعات حول المياه ستزداد بسبب نقص المياه الذي قد يطال ثلثي سكان العالم في العام 2050
و تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق تأثرا بهذا المشكل إذ أن ثلثي المياه المستهلكة في اسرائيل تأتي من فلسطين في الاراضي المحتلة و كذلك نصف المنشآت المائية الاسرائيلية . بيد أنه في الواقع لا يشمل الصراع اسرائيل لوحدها بل يمتد إلى حوالي 11 منطقة أخرى حسب ما أشارت إليه المؤسسة سابقة الذكر و منها : تركيا و سوريا و العراق بسبب بعض السدود التركية إضافة الى الخلاف بين ايران و العراق المتنافستين على شط العرب ، ملتقى دجلة و الفرات . إضافة الى الصراع بين مصر و السودان و اثيوبيا حول مياه النيل ،كما يدور خلاف بين مصر و ليبيا و تشاد و النيجر حول حقل مائي جوفي بعمق 800 متر ، و خاصة ليبيا التي تريد استغلاله بما يطلق عليه النهر الصناعي العظيم .
وفي القارة السمراء الصراع حول المياه مستمر بين زامبيا و بوتسوانا و زيمبابوي و موزمبيق لتقاسم مياه نهر السنيغال .
أما في القارة الآسيوية فالصراع مستمر حول نهر الاندوس ، و الحال كذلك بين الهند و بنغلادش حول دلتا نهري الغانج و البراهما بوترا. و كذلك بين أوزبكستان و كازخستان و قيرغيزستان و طاجكستان حول نهر أمو داريا و سير داريا و بحر آرال .
أما في القارة البيضاء أوربا فالخلاف بين المجر و سلوفاكيا حول محطة غابسيكوفو لتوليد الكهرباء الواقعة على نهر الدانوب و كذلك بين صربيا و كرواتيا بسبب " النقص في المياه و تحويلات التلوث إلى نهري الدانوب و الساف .
و التساؤل الذي طرح في الكثير من المؤتمرات و الملتقيات العالمية ، هل العالم مهدد بالعطش مع مجيء سنة 2050 ؟
و في معضلة جوهرية و هي أن المياه ليست كلها صالحة للاستهلاك البشري بل قد يؤدي بعضها الى انتشار أمراض أو أوبئة ، فوفق تقارير المنظمة العالمية للصحة أن امراضا عديدة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر باستهلاك المياه الملوثة ،التي ينقلها الذباب و البعوض و خاصة في البلدان المتخلفة و الفقيرة نظرا لعدم التعقيم الكافي للمياه و لنقص النظافة و ضعف المستوى التكنولوجي فيما يتعلق بالتوزيع و المعالجة و التنقية .
و المفارقة الكبيرة أن حوالي سبعة مليارات من البشر لا يستخدمون سوى واحد على مائة ألف من مياه كوكب الأرض و التي تمثل المياه المالحة أو التي يتعذر الوصول إليها 98 بالمائة منها أما الثلث الباقي فيتوزع على بقية كل بلدان العالم و بشكل غير متساوي كذلك .
و تعتبر كل من البرازيل و كندا و الصين و كولومبيا و الولايات المتحدة و الهند و اندونيسيا و روسيا و 15 دولة من دول الاتحاد الاوربي و منها بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و غيرها هي الدول الوفر نصيبا و حظا من مياه العالم
و تشير التقارير إلى أن مليار إلى أن مليار إنسان في العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب ، فيما لا يتمتع 2.4 مليار من سكان العالم الى بنى تنقية المياه و معالجتها " الفلترة" و بالتالي فإن شح المياه قد يطال 250 مليون نسمة ممن يستهلكون فقط 1000 متر مكعب سنويا للفرد
كما تعتبر المياه سببا رئيسا للوفيات و الأمراض في العالم بشكل مباشر و غير مباشر كما تضيف التقارير العالمية إلى أن ثلاثة ملايين طفل يموتون بسبب النقص في مياه الشرب ، و يمتد ذلك الى الجانب الصحي و الاجتماعي و الغذائي لأن الزراعات المروية تعتمد على المياه بدرجة كبيرة جدا و هي تشكل 40 بالمائة من غذاء العالم ، ناهيك عن مشاكل الفياضانات و السيول و الكوارث الطبيعية التي تمس الكثير من البلدان .
هذه الاشكاليات تفرض ايجاد حلول مشتركة و خاصة في الجوانب الانسانية إضافة الى المشاكل الجيوسياسية و البيئية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بمشاكل المياه ، إذ أنه دون إدارة عقلانية للموارد المائية يصعب اطعام أكثر من 8 مليارات من البشر مع سنة 2050 ، و بالتالي يتوجب استثمار 180 مليار دولار سنويا مقابل 70 أو 80 مليار دولار تستثمر حاليا .
و لا تقتصر المسؤوليات الجسام للنهوض بهذا القطاع على القطاع العام و مؤسسات الدولية بل كذلك يمتد إلى المؤسسات الخاصة ، بدخوله في عمليات الاستثمار المالية التي تتطلب اموالا كبيرة و خاصة على المدى البعيد كما يحدث في الكثير من الدول المتقدمة ، و قد توصلت الاقتراحات في المجال العالمي بضرورة انشاء بنك دولي للمياه بمعنى استثمارات مالية لهذا الغرض من أجل النهوض بهذا المشكل و الاستعداد للتحديات العالمية .
الجزائر بدورها من الدول الأقل استفادة بالموارد المائية مقارنة بالدول المتقدمة و ه\ا راجع لأسباب طبيعية و أسباب بشرية و اخرى اقتصادية تتعلق بطبيعة البنى التحتية ، و قد رصدت مبالغ مالية كبيرة جدا لمحاولة النهوض بهذا القطاع لكن ذلك يبدو أنه ليس كافيا بعد أما التزايد السكاني و الاحتياجات المتزايدة لهذه الثروة الطبيعية الحيوية و الاستراتيجية و تعتبر منطقة وادي سوف من المناطق الغنية بمياهها الجوفية كامتداد للصحراء التي هي غنية بالبترول و كذلك المياه الجوفية و لكن هذه المياه بدورها أصبحت تتسبب في مشكلتين رئيسيتين ،أولهما المياه غير الشروب و ثانيهما صعود المياه .
سكان وادي سوف من أسفل ماء و من فوق ماء و هم عطشى
إذا كانت مشكلة تذبذب توزيع المياه في بعض مناطق الجزائر تؤرق المواطنين و التي استطاع البعض منهم ايجاد حلول لها بطرقهم الخاصة كتوفير الخزانات و غيرها فإن مشكلة سكان وادي سوف أكثر صعوبة و تعقيدا ، و مشكلتهم تتمثل تحديدا في ظاهرة ندرة المياه الصالحة للشرب التي باتت تقلق سكان وادي سوف منذ سنوات عديدة ، إذ أن اغلب سكانها يعتمدون على المياه التي تجلبها الصهاريج من المناطق الشمالية و تحديدا ولاية تبسة أما مياه وادي سوف فغالبية السكان لا يستعملونها للشرب لسببين بحسب الكثير منهم أهمها الخوف من التلوث و ثانيهما الملوحة ، و يستند هذا الامر لتقارير طبية سنشير إليها لاحقا ، و بالفعل فإن عمليات توزيع المياه الصالحة للشرب تتم عبر شبكة من المياه أصاب جزء كبير منها الصدأ أو التلف إضافة إلى التسربات المتتالية للمياه و المتزايدة رغم وجود مشروع كبير تباشره الدولة و ذلك قصد تنقية المياه " الفلترة " لتصبح صالحة للشرب و هو ما شرعت به بعض المؤسسات الخاصة و لكن ذلك غير كافٍ و عملية تجديد شبكة المياه قد تتطلب وقتا كبيرا ، إذ تشهد الشبكة المتوفرة حاليا تذبذبا كبيرا في توزيع المياه من حي الى حي في داخل بلدية الوادي و البلديات الاخرى و بقية الدوائر، ودوما في انتظار استكمال هذا المشروع تبقى الكثير من مناطق الولاية محرومة من المياه الصالحة للشرب .
و في الواقع تتوفر الوادي من الناحية الجيولوجية على ثلاث طبقات من المياه : الاولى قريبة و تصل الى 20 متر و تحمل كميات كبيرة من الفليور تصل الى 3 ملغ للتر الواحد و هو ما يفسر "ما يطلق بخط العرجون " الذي يتميز به بعض سكان الوادي على أسنانهم نظرا لتراكم هذه المادة .
أما الطبقة الثانية فتوجد على عمق حوالي 350 متر و تصل نسبة الفليور به الى 2.3 ملغ للتر الواحد .
أما الطبقة الثالثة و هي عميقة و سفلى على عمق ما بين 1500 إفى 1700 متر ة تنخفض فيها نسبة الملوحة . كما أن هذه المياه على نوعين الحارة و الباردة و تفصل بينها الطبقات فرياكتية.
و الكثير كما ذكرنا سابقا من سكان وادي سوف يتجنبون شرب هذه المياه بسبب الملوحة و نسبة الفليور العالية مما ينجر عليه مخاطر و من أهمها :
أن المياه تسبب 96 بالمائة من مرض الاسنان و خاصة خط العرجون إضافة وجع في العمود الفقري لمن يتجاوزن سن الاربعين بسبب مزاحمة الفليور للكالسيوم في العظام و بالتالي تصبح العظام أكثر عرضة للهشاشة و الجفاف و القابلية للانكسار .
و في استطلاعات صحفية قامت بها بعض الصحف و وسائل الاعلام أجمعت الغالبية من سكان الوادي أن الشبكة العمومية للمياه تتسبب في مضاعفات و أمراض خطيرة مما أجبر السكان على استيراد المياه من الولايات المجاورة .
مخابر طبية : مياه الوادي قد تتسبب عند شربها في أمراض كثيرة
كما أشارت بعض التقارير و الشهادات الطبية أن نوعية مياه وادي سوف رديئة و قد خلصت بعض التحاليل التي قامت بها بعض المخابر و منها مخبر علم السموم لكلية الطب و الصيدلة في العاصمة على مدى عشر سنوات من 1976 إلى 1986 إلى نتائج و منها خطورة مياه الشرب على الصحة و قد شمل التحليل جميع البلديات و المناطق النائية للوادي ، و تم بالموازاة حسب الأطباء و المخبريين الميدانيين أخذ عينات من الماء و من أظافر و شعر مواطنين و تلاميذ بعض المدارس و فحوصات عن الاسنان و العمود الفقري بالأشعة ، و خلصت النتيجة إلى خطورتها الكبيرة ، و كانت في السبعينات و على إثر هذه التحاليل الطبية نصحت مصالح الصحة العسكرية السلطات المحلية للوادي في وقتها بحفر الآبار العميقة لتجنب هذه الاضرار نظرا لارتفاع نسبة الفليور و بعض المعادن الأخرى التي تفوق المعدلات الوطنية و العالمية للماء الشروب ، كما خلصت التحاليل إلى أن هذه المياه غير نقية و لا تصلح للشرب وأنها لا تؤدي فحسب إلى مخاطر على الاسنان و العظام بل كذلك أمراض الكلى و تكلس شبكية العين و الضغط الدموي و تسوس الاسنان و اعوجاج العمود الفقري و خاصة في الكبر .
و قد أكد مواطنون لجريدة التحرير أنهم لا يستخدمون هذه المياه حتى للطبخ أو الغسيل في منازلهم ، لأنها المياه ساخنة تستخرج من المياه العميقة ، أما المياه الباردة التي تستخرج من الطبقات المتوسطة فإنها بحسبهم تتسبب في التكلس عند استخدامها للتنظيف ، كما قد تتسبب في تقصف و جفاف الشعر ، بل ذهب البعض إلى حد النفور من استخدامها لغسيل الأرضيات لبعض العائلات المترفة و الثرية .
لقد ألحقت فعلا هذه المياه خسائر كبيرة بالكثير منهم ، إضافة الى ما يذكرون من تذبذب في توزيع المياه الذي أصبح يعتمد فيه على المضخات و بالتالي حرمان الكثير البعض الآخر، في وقت يسددون فبه فواتير المياه للمصالح العمومية و تحديدا الجزائرية للمياه غير أن المياه لا تكاد تصل في بعض الأحياء إلى أكثر من ساعة يوميا مع وجود شبكة من المياه أكل عليها الدهر و شرب . بل لا توجد أصلا خريطة شاملة لشبكة المياه لبلدية مثل بلدية الوادي وسط ، ناهيك عن بقية البلديات في حين أن المواطن يدفع فاتورة مياه صالحة للشرب كما بقية المواطنين في الجزائر ، و تلجأ المؤسسة العمومية للمياه إلى القطع الفوري في حال عدم تسديد الفواتير ، مما جعل بعض المواطنين يعبرون لنا عن سخطهم و استيائهم من هذا المشكل و عن التساؤل عن الملايير من السنتيمات التي تصرف من أموال الدولة و الشعب دون جدوى على هذا القطاع في ولاية الوادي ؟ في حين أصبح المواطن على حد تعبير بعضهم يسدد ثلاث فواتير : الأولى : للجزائرية للمياه ثمن مياه لا يشربونها اصلا و الثانية: لباعة صهاريج المياه الشروب بحيث يصل الليتر الواحد إلى 2 دينار و الثالثة: لكهرباء المضخات التي لا تصعد من دونها المياه .
الوادي من أكبر الولايات المستوردة للمياه الشروب..
و لتفادي نتائج كارثية اضطرت ولاية الوادي لاستيراد المياه بعد اقتناع السلطات المحلية بضرورة ايجاد حل كان مؤقتا لكنه أصبح دائما حيث أصدر والي ولاية الوادي قرارا ولائيا رقم 465 في 17 أكتوبر 1993 للترخيص ببيع المياه الصالحة للشرب بواسطة الصهاريج و حدد القرار كيفية تنظيمها و مراقبتها قانونيا و صحيا و بالتالي الحصول على نوعية مياه جيدة و خاصة من بئر العاتر باتجاه وادي سوف و من سيدي خالد ببسكرة بالنسبة لمنطقة وادي ريغ . و نظرا لتزايد الطلب نتيجة تزايد السكان تم إنشاء أربع محطات تصفية المياه –المفلتر- و هي محطات خاصة تبيع بدورها المياه للمواطنين بواسطة صهاريج و لكنها لا تفي بالغرض ،كما تزايد عدد الشاحنات التي تبيع المياه لسكان الوادي و وصل عدد الشاحنات التي تبيع" ماء العاتر" أي مياه بئر العاتر التابعة لولاية تبسة إلى أكثر من 700 شاحنة تقوم بعملها بشكل يومي تقريبا في ظل عطش سكان الوادي لمياه شروب من أرضهم و خاصة أن الطلبات تتزايد في فصل الصيف و بالتالي تصنف الوادي من أكبر الولايات المستوردة للمياه الشروب.
و الواقع أن مياه الوادي قبل أن تتسبب في خسائر عند شربها من قبل المواطن تتسبب في خسائر للجزائرية للمياه في الوادي كذلك بسبب رداءة نوعية المياه التي تؤدي إلى تكلس الأنابيب و انسداد القنوات بالكلس و المعادن المتحجرة بفعل التفاعلات الكيماوية بمعدل 5 سم لكل سنة ، مما يعني حسب المسؤولين في الجزائرية للمياه أن انبوب بمقياس 200 ملم ينسد بعد 4 سنوات و يستلزم تغييره إضافة الى التسربات نتيجة المياه الساخنة .
و قد كانت وزارة الموارد المائية قد قامت بتسجيل مشروعين منذ سنوات مضت لفائدة ولاية الوادي ، أحدهما سنة 2007 لإعادة الاعتبار للشبكة بكاملها و انتهت سنة 2008 من قبل مكتب دراسات فرنسي متخصص أما المشروع الثاني فهو قيد الانجاز و المتمثل بربط الوادي بشبكة المياه المعالجة لتجنب خسائر الانسدادات و تزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب ، و يأمل المسؤولون عن المشروع انجازه بعد سنتين تقريبا ، لكن تشير بعض الأوساط إلى أن هذا المشروع يسير ببطء شديد نظرا لضغوطات كبيرة و خاصة من قبل المنتفعين من تجارة المياه ، و يبدو لحد الساعة أن هذا المشروع يمكن أن يكون الأمثل لتوفير مياه شروب إذا تم احترام المعدلات الوطنية و الدولية الواجب احترامها لتوفير المياه الصالحة للشرب و الاستعمال و اذا انجز في الوقت المحدد له .
ظاهرة صعود المياه في الوادين و المخاطر البيئية : سوف و ريغ..
لا تعاني ولاية الوادي من نقص المياه الشروب من جوفها فحسب بل كذلك من ظاهرة صعود المياه التي تنامت مع مرور الزمن ، إذ تشير الاحصائيات إلى أن ظاهرة صعود المياه مست أكثر من 4000 غوط نخيل ، و خاصة في الوادين ، وادي سوف ، و وادي ريغ و لكن بشكلين مختلفين .
و الواقع حسب بعض الدراسات أن صعود المياه يعتبر مشكل خطير جدا إذ أن السبب يرجع للاستغلال المفرط لمياه الطبقات المتوسطة و العميقة التي تصب في المناطق السطحية من القشرة الارضية ، و ذلك نظرا لانعدام وجود شبكة صرف صحية كافية للمياه المستعملة مما يخلق مشكلة بيئية حقيقية ، و هذا مع عدم توفر مصبات طبيعية لهذه المياه المستعملة كالوديان و الشطوط ، مما يؤدي إلى تشبعها و انفجارها و خاصة انها تنحدر نحو المنخفضات مثل " الغيطان" و غيرها و التي أصبحت بالتالي بركا مائية و مستنقعات مثل أحياء " سيدي مستور" و بعض مناطق "الشط" و مناطق أخرى خارج بلدية الوادي ، و على الرغم من محاولة ايجاد حلول لهذا المشكل و إقامة ما أطلق عليه الحزام الأخضر في منطقة سيدي مستور و الذي كلف مبالغ معتبرة ، إلا أن هذا المشروع بعد معاينة جريدة التحرير له يبدو أنه أهمل و سرقت بعض معداته و تحولت الشجيرات التي غرست إلى مجرد واجهة و أصبحت بعض المزابل تكسو هذا الحزام الذي رصدت له مبالغ كبيرة و هو لا يمتد إلا على عشرات الأمتار في واجهة الطريق فحسب ، و الذي كان من المفترض أن يمتص المياه المتصاعدة ، و لكن "دار لقمان بقيت على حالها " مع انعدام المتابعة ، و جاء بدء المشروع بعد استشارة خبراء محليين و دوليين و لقاءات و ملتقيات ، حتى أن بعض السكان في حي سيدي مستور هجروا منازلهم أو باعوها بأثمان بخسة خوفا من طغيان المياه المتصاعدة إليها ، ناهيك عن البعوض و الروائح الكريهة التي تنبعث من تلك المياه صيفا و شتاءً .
و كذلك الحال في وادي ريغ حيث لا تنفذ مياه السقي السطحية الى الباطن نظرا لانسداد مسامية التربة و بالتالي تشكلت مستنقعات و برك تضر بالبيئة من حيث إتلاف ثروة معتبرة من النخيل الموجودة داخل الغيطان مما يؤدي إلى انتشار الحشرات و تكاثرها و انتشار الروائح الكريهة و تدهور المباني في هذه المناطق ، و هو ما يهدد صحة السكان و يهدد حياة الاطفال . و تصل هذه الكميات من المياه الملوثة الى 800 مليون لتر مكعب سنويا تعايش معها سكان الوادي بصبر كبير ، في وقت أن نسبة الربط بشبكة تطهير المياه لا يصل الا لـ32 بالمائة و يصل استهلاك الفرد من المياه الشروب 700 لتر يوميا و لا تتعدى السعة الاجمالية للمياه القذرة 15 بالمائة و المياه القذرة غير المتصلة بشبكة التطهير تصرف نحو 40000 بالوعة في منطقة الوادي ، إضافة الى آلاف "الغواطين " التي تم حفرها و التي لا تتماشى مع المعايير و تتسرب من خلالها المياه القذرة نحو الطبقة الجوفية و تقوم بتلويثها مما أدى إلى اقتلاع مليون نخلة من جذورها و تحولت أراضيها الى برك مائية راكدة .
و لمكافحة هذه الظاهرة، كان قد تم في وقت مضى وضع مخطط تطهير عام رصد له مبلغ 2800 مليار سنتيم من قبل الدولة و يتمثل في محاور هيدرولوجية رئيسية و هي التطهير، التصفية، التحويل و اعادة استعمال المياه المعالجة ، بهدف التقليل من المياه الملوثة و المتصاعدة و حماية الطبقة الجوفية و تنمية الفلاحة من خلال المياه المعالجة التي تستعمل لاحقا في السقي إضافة الى حماية السكان من الامراض ، و بحسب بعض المسؤولين في هذا القطاع فقد قسم المشروع على 4 مراحل أو أجزاء ، و تتمثل في اعداد شبكات التطهير لـ 12 بلدية تابعة للوادي و منها بلدية الوادي ، كوينين ، البياضة ، قمار ، تغزوت ، حساني عبد الكريم ، دبيلة ،المقرن ، حاسي خليفة ،سيدي عون و الرقيبة ، و المشروع فعلا قيد الانجاز و وصل الى حوالى 700 كلم من قنوات استعادة المياه و كذا مرحلة انجاز مجمعات العشرات من محطات الرفع و الضخ و المرحلة الأخرى من المشروع تتمثل في انجاز 15 بئرا داخل الطبقة الجوفية كقنوات صرف للمياه أما الجزء الأخير و ينقسم بدوره إلى مراحل و منها : 4 محطات لاسترجاع المياه المعالجة و مخرج رئيس للمياه يصب على بعد 47 كلم بشط حلوفة من شمال الوادي شرق البلدية .
تعتبر الآثار الناجمة عن انعدام المياه الصالحة للشرب مشكلة بيئية جوهرية من ضمن مشاكل أخرى تنموية خطيرة تعاني منها ولاية الوادي و التي امتدت على مر عشرات السنين والتي قد نفتح ملفات حولها غير انها لم تجد لها لحد الساعة حلا جذريا ، و التساؤل الذي يطرح أليس من حق المواطن في وادي سوف ان يسقى بماء شروب ؟ .و قد قدمت أرضه رغم هذه الصعاب منتوجا زراعيا كبيرا في بعض المواد فاق منتوج بعض المناطق السهلية .
لكن يبدو أن الأمر أبعد من ذلك بكثير و يتطلب استراتيجية محكمة و تسيير عقلاني للموارد و إدارة متكاملة لهذه الثروة الطبيعية الحيوية و الاستراتيجية و لما لا ، و قد خطت بالفعل ولايات أخرى في الجزائر خطوات متميزة في هذا الجانب كما أن الكثير من دول العالم أصبحت لها تقنيات تكنولوجية كبيرة جدا بأقل تكلفة و يمكن الاستفادة من خبراتها ، و الاشكالية الأخرى و هي المياه المتصاعدة و التي يبدو أن حدتها بدأت تنقص و لكنها قد تتزايد نتيجة عوامل عديدة و منها التزايد السكاني و بطء تحديث البنى التحتية المرتبطة بمعالجة و تصريف المياه ، و من ثمة فإن البيئة تبقى مهددة بالخطر في ولاية الوادي تحديدا ، على الرغم من أن بعض الولايات الأخرى الجنوبية القريبة تشارك ولاية الوادي في هذا المشكل و لكن بأقل حدة و منها ولاية ورقلة ، و بطبيعة الحال مثل هذه المشاكل البيئية لا ينتظر حلها سنوات طوال لأنها ستتفاقم و بالتالي تصبح نتائجها وخيمة و عواقبها كارثية .