Dr - BAIZID YOUCEF - WEB SITE
  الفساد المالي في الجزائر
 

الملف :

تحت المجهر :

الفساد المالي و السياسي في الجزائر. "القطط السمان "

ويكيليكس:" ... الفساد بلغ مستوى متقدما ، حيث وصل إلى  داخل الجيش و وصل إلى قمة الهرم..."

                                              

 

بقلم : بيزيد يوسف .

 

            تعتبر ظاهرة الفساد المالي من أشدّ الظواهر انتشارا في المجتمع و الدولة  في الجزائر في السّنوات الأخيرة حيث باتت تنخرّ الاقتصاد الوطني و تكاد تعصف به ، و هي تتزايد باستمرار من سنة لأخرى حتى أصبحت التساؤلات تطرح حول مدى حجم استفحال هذه الظاهرة و انعكاساتها على المجتمع و الدولة إذ أنّها لا تقتصر فحسب على الميدان المالي و الاقتصادي بل تمتدّ إلى النظام السياسي و الاجتماعي  في حدّ ذاته مما يؤثّر سلبا على التنمية بمختلف جوانبها ، وقد  تناولنا هذا  الملف ليس من باب انتقاد النظام السياسي في حدّ ذاته كنظام حكم و إنّما هو من باب انتقاد مظاهر الفساد و المتسبّبين فيه ، حيث تشير الأرقام و الاحصائيات إلى أرقام  مهولة  لهذه الظاهرة من جرائم اختلاسات و تبييض أموال و تهريب و صفقات غير مشروعة و غيرها و التي لا ترتبط عادة بعمليات معزولة أو فردية إنما يتسبّب فيها في كثير من الأحيان بعض الفاعلين و النافذين في السلطة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، و خاصة ممن ظهر ثراؤهم الفاحش بعد وصولهم إلى منافذ السلطة و الاستفادة من أموال الدولة بطريقة أو بأخرى . و بجولة سريعة أو بعملية بحث بسيطة أو استقصاء في بعض المدن الكبرى تتردّد أسماء بعض النافذين في السلطة  و غيرهم  ممن استطاعوا في ظرف وجيز تكوين ثروات على حساب اموال الدولة و الشّعب ،إضافة إلى بعض الوصوليين و الانتهازيين و المختلسين - و بطبيعة الحال باستثناء  النزهاء - من فلّل فاخرة و ممتلكات و حتّى المصانع و الأراضي الزراعيّة و الفنادق التي لا يمكن بعملية حسابية بسيطة أنّ يوفرها هؤلاء بأجورهم العاديّة و لو كانت عالية جدا لمدة مئات السنين ، لأن المبالغ ضخمة جدا تشتمّ من خلالها رائحة الفساد التي تزكم الأنوف و التي حاولت مرارا مصالح مختصة في الدّولة محاربتها لكن دون جدوى ، - فمن جهة إنّ كان تردّد هذه الأسماء صحيحا فهو يعني أنّ التحوّل السريع و الوصول إلى الثّراء الفاحش أصبح مقصد الكثيرين عن طريق التلاعب بأموال الدولة و تشريع البعض قوانين خاصة بهم من خلال استغلال النفوذ و إن كان ذلك من جهة أخرى غير صحيح فهو يعكس حالة الاشاعة و الريبة التي أصبحت تراود الكثير من المواطنين - ولعلّ هذا ما يجعل عملية  الاستقصاء عن أطراف الفساد تكون اكثر تعقيدا حيث تتمّ عادة عمليات الفساد  بطريقة ممنهجة ، تبعث على التساؤلات .

حيث أنّ ظاهرة الفساد المالي ليست وليدة الأمس القريب إنما ترجع لعقود زمنية ، لكنّ حدّتها في السنوات الأخيرة أصبحت ملفتة للنظر حتى أنّ الوثائق التي نشرتها ويكيليكس عن الفساد المالي في الجزائر و ارتباطه ببعض المسؤولين كان كبيرا جدا - مع تحفظنا على ذكر الأسماء الواردة في الوثيقة - كما كشفت على أنّ الخلاف بين عسكريين و مدنيين هو الذي فجّر فضيحة سوناطراك علما أنّ موقع ويكيليكس فجّر ضجة اعلامية كبيرة عندما كشف عن وثائق و تقارير دبلوماسية امريكية خطيرة تخصّ العديد من بلدان العالم .و مما جاء في الوثيقة  انّ " بيرنارد باجوليه " السفير الفرنسي في الجزائر قال لنظيره الأمريكي روبرت فورد ، إنّ الفساد بلغ مستوى متقدما ، حيث وصل إلى  داخل الجيش و وصل إلى قمة الهرم"، من المتورطين في فضيحة بنك الخليفة ، و هذه الوثائق المرسلة من خلال السفارة الأمريكية للدولة نفسها ، لا تنقل فحسب وجهة نظر الدبلوماسيين الأمريكيين ، و لكن أيضا وجهة نظر "باجوليه" الخبير الفرنسي في الجزائر و الذي أصبح لاحقا منسق المخابرات الفرنسية .

 

علما أنّ مظاهر الفساد عندما ترتبط بالسلطة عادة ما تؤدي ّإلى غليان و ثورات شعبية و هو ما حدث في تونس تحديدا و بعض البلدان الأخرى أيّام ما أطلق عليه الربيع العربي ، كما انّ مؤشرات التنمية للمؤسسات المالية الدّولية و مراكز الدراسات و البحوث تشير إلى نسب مرتفعة من ظاهرة الفساد المالي في دول العالم الثالث و التي ترتبط عادة بمدى شفافية النظام السياسي و ديمقراطيته من عدمه . و قد شهدت الجزائر فيما سبق غليانا شعبيا نتيجة التباين الكبير في التعاطي مع المطالب الشعبية مما جعل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يعلن عن حزمة من الاصلاحات تفاديا لأية انزلاقات  و هو ما يصعب من مهمة حكومة الوزير الأول الحالية عبد المالك سلال .

كما أن ّ الحديث عنها – ظاهرة الفساد - في السّنوات الأخيرة أصبح شبه عادي نظرا لزيادتها و حجمها المتنامي  و ينظر إليها الكثيرون من زوايا مختلفة بسرد صحفي يثير التشويق و السّخرية  أحيانا و بروح النقمة أحيانا أخرى دون البحث عن علاج أو استئصال لها ، و هو في واقع الأمر مرض خطير يستشري في كيان الأمّة حتى يكاد يقضي عليها كما السرطان .

و من الملفت للنظر أنّ مظاهر الفساد أصبحت عند البعض عرفا ، من رشاوي و خدمات و غيرها مما سهّل على البعض استغلال المناصب لأغراض شخصية تخدمهم حتى أضحت مظهرا إداريا مألوفا لدى البعض.

و لو انتقلنا إلى لغة الأرقام فقد سجّلت مصالح الأمن خلال الخمس سنوات الأخيرة ، أكثر من 30 ألف جريمة فساد تورّط فيها 60 ألف شخص . و سجلت سنة 2010 لوحدها أكبر رقم بأكثر من 3 آلاف جريمة تورّط فيها 7 آلاف شخص من بينهم 800 أجنبي . و هذا الحال يكاد ينطبق على السنة الفارطة 2012 و كذلك بالنسبة لهذه السنة الجارية 2013  .

و لم يستثن الفساد المنتخبين حيث افادت أرقام رسمية أنّ حوالي 900 منتخب أدانتهم العدالة بأحكام متفاوتة تراوحت بين الحبس و الحبس مع وقف التنفيذ في حين أنّ 500 منتخب لم تفصل العدالة في قضاياهم ، و مازال 148 منتخب قيد التحقيق إضافة الى عدد من موظفي و إطارات البلديات متابعون قضائيا  بسبب ضلوعهم في تجاوزات مثل نهب العقار و التزوير و استعمال المزور و تبديد الأموال العمومية و مخالفة قوانين الصفقات العمومية و غيرها من المخالفات و التهم ،.و قد مسّ هذا الفساد مختلف القطاعات الاقتصادية .

 

و الواقع أنّ هذه الجرائم تعدّ صغيرة أمام فضائح و جرائم من الحجم الكبير كفضيحة بنك آل خليفة و فضائح شكيب خليل و الطريق السيّار و غيرها من الفضائح التي سنتطرق لها في هذا الملف و ما خفي كان أعظم . و على الرغم من إحالة الكثير من الملفات للعدالة إلا أنّ الكثير منهم  كذلك لم يلق العقاب الكافي فكثيرا ما تهرّب هذه الأموال إلى الخارج كما يلجؤون هم كذلك إلى الدول الغربيّة و من المفارقة أنّ هذه الدول يعاقب فيها أكبر المسؤولين لمجرّد جرائم مالية بسيطة ، بينما يفرّ هؤلاء من العقاب و تذهب ملايير الدولارات من أموال الدولة و الشّعب هباءً منثورا .

 فما هي إذا  قصّة الفساد المالي و السياسي في الجزائر ، و ما أسبابها و كيف استشرت ؟ ، و هل يمكن استرجاع هذه الأموال المنهوبة و أين مكمن الخلل ؟ كل هذه تساؤلات تبقى مطروحة  و نحاول البحث عن إجابات لها ؟.

 

بداية القصّة :" القطط السمان "

 

مع بداية الاستقلال سنة 1962 لم يكن في الجزائر مليارديرا واحدا ، حيث خرج الاقتصاد الوطني منهكا و كانت عزيمة الرجال الذين حرّروا البلاد من الاستعمار هي الأقوى حيث تغلبت على الجوع و الفقر و ظلم المستعمر ، بيد أنّه بعد سنوات من الاستقلال بدأت تظهر و خاصة في السبعينات بعض الوجوه من الذين أرادوا استغلال المناصب و السلطة فكانت قبضة الرئيس الراحل هواري بومدين من حديد و أقال البعض منهم ، و خاصة و أنّ الجزائر لم تكن فيها طبقة أثرياء ممن يمتلكون آليات الانتاج الكبيرة أو المصانع الضخمة و حاول النظام الاشتراكي أن يقنّن توزيع الثروة بين مختلف فئات الشعب ، غير أنّ ذلك لم يدم طويلا حيث حاول البعض استغلال الريع البترولي و خاصة شركة سوناطراك و كان من بين الذين تحدثوا عن ذلك عبد الحميد الابراهيمي في مذكراته ، و لعلّ أحداث اكتوبر سنة1988 أكّدت الكثير من الحقائق  و منها قصة الـ27 مليار دولار.

لم تكن احصائيات الفساد في الجزائر قبل أكتوبر 1988 من الأمور التي يمكن الحديث عنها و خاصة في الصحافة ، بل تعتبر من الأسرار التي يحتفظ بها الحزب الواحد و عادة ما تكون طي السرّ و الكتمان المطلق ، و قرار الوزير الأول الأسبق عبد الحميد براهيمي الافصاح عن بعض الحقائق عن الفساد الذي ضرب كيان الدولة من فساد مستشر خلف التسيير و النظام الاشتراكي بيّنت الكثير من الحقائق ، حيث قدم إحصائيات عن الفساد خلال الفترة الممتدة من سنة 1962 الى سنة 1988 في محاضرة ألقاها في كلية العلوم الاقتصادية  في الخروبة بالجزائر العاصمة ، ليقوم  بعملية حسابية بسيطة تفيد أنّ الجزائر منذ الاستقلال تكبّدت ما مقداره 26 مليار دولار من الأموال المنهوبة ، و كان هذا الرقم مهولا خلال تلك الفترة و خاصة ان فئة "القطط السمان" من المليارديرات الجدد بدأت تظهر خلال فترة حكم الشاذلي بن جديد في مقابل ازدياد هوّة الفارق بين الأغنياء و الفقراء ، و علم الجزائريون  حينها مدى شراسة وحش الفساد الذي يفتك بمقدرات وطنهم الاقتصادية في تلك الفترة ، و بدأ الكثيرون يسعون لمعرفة مصير هذه الأموال و أصبحت الساحة الاعلامية تتحدث عن عمليات غسيل الأموال و غيرها من المصطلحات التي ترادف آلية و نظام الفساد كمنظومة متكاملة لها آلياتها و أدواتها  و قوانينها لتنتقل هذه المصطلحات للشعب ككل ، و الملفت للنّظر أنّ تصريحات عبد الحميد مهري كانت  قبل أشهر من انتفاضة اكتوبر 1988 و التي أدّت الى غضب شعبي واسع على الفساد و سوء التسيير .

 

و في الواقع هذا الرقم يعتبر صغيرا مقارنة بالأرقام التي يمكن الحصول عليها لاحقا و يصعب في الواقع تحديد الرقم مقارنة بملايير الدولارات المهرّبة عبر أجنحة الفساد لتستقرّ في دول أجنبية سواء على شكل مدّخرات في بنوك أجنبية أو مشاريع عملاقة تدرّ عليهم أموالا و ثروات على حساب الاقتصاد الوطني الذي هو في أمس الحاجة إليها و قد نشرت بعض المؤسسات المالية الدولية بعض الأرقام وصنّفت الجزائر في المرتبة 105 من حيث انتشار الفساد ، و منها ما نشره البنك الافريقي للتنمية مؤكدا أنّ الأموال التي هرّبت من الجزائر بطريقة غير مشروعة بين فقط سنة 1980 الى سنة 2009 بلغت 173.11 مليار دولار  ، علما أنّ هذا البنك يعدّ أكبر مؤسسة افريقية و تتوزع المساهمات في رأسماله ما بين دول افريقية و غربية كالولايات المتحدة و الاتحاد الاوربي و مؤسسات مالية دولية أخرى .

مؤكدا تقرير هذا البنك أن صافي الموارد المالية التي خرجت من الجزائر تتعلّق بحالات الفساد التي تشوب المشروعات العامة للدولة و خاصة في قطاعات النفط و المعادن و غيرها و ذلك نظرا لغياب الشفافية في تنفيد الميزانيات و غسيل الأموال و التهرب الضريبي و الرشاوي و عمليات تهريب الأموال .

 و قد رتّب التقرير الجزائر في المرتبة الرابعة افريقيا من حيث نزيف الأموال الى الخارج بعد نيجيريا بمعدل : 252.35 مليار دولار ، و ليبيا بمعدل 222.87 مليار دولار ، ثم جنوب افريقيا بمعدل 183 مليار دولار و هذا خلال ثلاثين عاما الأخيرة .

و مبلغ الأموال التي خرجت من الجزائر تعادل قيمة الانتاج المحلي الاجمالي لسنة 2012 بقيمة الدولار .

و أكثر من ذلك و بحسب الخبراء و المختصين فإن أموال المشاريع الاستثمارية التي تموّل من قبل الحكومة عن طريق الميزانية يتمّ التلاعب فيها او اختلاسها أو تحويلها و بالتالي تصبح مصدر ثراء للبعض و قد ظهر ذلك من خلال زيادة عدد قضايا الفساد التي ضربت بعض القطاعات الاقتصادية و خاصة في قطاع الطاقة و الفضائح المرتبطة بسوناطراك أكبر دليل على ذلك كما تورّطت  شركات أجنبية إيطالية و أمريكية و صينية  في منح رشاوي لبعض المسؤولين للحصول على مشاريع استثمارية  لبنى تحتية في الجزائر  و غيرها من المشاريع .

 

قضية الخليفة ...امبراطورية من ورق ,,,تمّ تبييض الأموال و لم تسترجع ..

 

تعتبر قضية عبد المؤمن خليفة الذي بنى امبراطورية مالية على أسس من الفساد جعلته بين عشية و ضحاها يصبح مالكا لأكبر مجموعة اقتصادية في الجزائر تضمّ بنوكا و شركات عملاقة كلّها كان على حساب أموال الدولة حيث قدّرت التقارير أنّ مجمل الخسائر التي ألحقها لوحده بالخزينة العمومية تقدر ب 2 مليار دولار ، إضافة الى الأضرار التي لحقت بالآلاف من العمال الذين أصبحوا من العاطلين عن العمل زيادة على الزبائن الذين لم يسترجعوا أموالهم ، أمّا عبد المؤمن خليفة فقد هرب الى الخارج  و لا يزال حرّا طليقا في بريطانيا ،حيث سيتكرر هذا السيناريو مع شكيب خليل  و هو وزير سابق،  و مع كل منهما ملايير الدولارات  طارت الى دول أخرى و على الرغم من أنّ عبد المؤمن الخليفة الذي كان والده وزيرا سابقا في أول حكومة جزائرية عقب الاستقلال يملك قصرا من أفخم القصور في فرنسا في نواحي سان تروبي في جنوب فرنسا ، الا أنّه اختار الذهاب لبريطانيا لأنها أكثر أمنا بالنسبة له حيث لا توجد اتفاقية تتعلق بالتعاون القضائي بين البلدين ، و بالفعل فعلى الرغم من صدور مذكرة دولية  ضدّه من قبل الانتربول إلا أنّه بقي آمنا حيث لم تتمكن الشرطة الجزائرية من إلقاء القبض عليه و لم يتم تسليمه من قبل بريطانيا و لحد الآن لم يتم تسليمه للجزائر ، و يرى بعض المحللين أن عبد المؤمن الخليفة ليس وحده المتورط في قضايا الفساد لأن هناك من اشترك معه أو ساعده من النافذين في السلطة - و هذا ما أشارت إليه وثيقة ويكيليكس- و من فائدتهم عدم مثوله أمام القضاء لأنه سيكشف عن الكثير من الأسماء ، حيث تم استدعاء بعضهم كشهود و منهم وزراء سابقين ، و هذه القضية كما غيرها تفتح الكثير من التساؤلات حول آليات و دوائر صناعة الفساد و التخطيط له و تنفيذه وفق أجندة محكمة عادة ما تكون لها خيوط خارجية إذا كانت تتعلق بأموال كبيرة جدا نظرا لأن آليات الرقابة و المحاسبة تكون أقل بكثير من حجم هذه العمليات ، و على الرغم من اتمام جلسات المحاكمة و محاسبة من استطاع القضاء احضارهم و معاقبتهم و الحكم غيابيا عن الفارين إلا أن عبد المؤمن لم يلق عقابه بعد و لا الأموال المنهوبة رجعت لخزينة الدولة او أصحابها بعد كذلك.

الا أنّ هذه القضية ليست الأولى و لا الأخيرة في مسلسل الفضائح و الفساد الذي يعصف بالاقتصاد الوطني .

 

سوناطراك من أكبر القطاعات المتضررة بالفساد

 

 يرى المحللون و الاقتصاديون أن الاعتماد الكلّي على الريع البترولي عادة ما يكون مدعاة للفساد الاقتصادي و ينتج نظاما اجتماعيا و سياسيا فاسدا يتبنى الفساد كاستمرارية لضمان وجوده  و هو ما انطبق في حالات كثيرة على عصب الاقتصاد الجزائري حيث امتدت اليه أيادي المفسدين

و لم ينته بعد مسلسل الفضائح التي تعصف بالاقتصاد الجزائري و التي تعدّدت فصولها و تنوّعت فضائحها ، و لكن يبدو أنها اليوم وصلت إلى أكبر المؤسسات الاقتصادية و التي تعدّ عصب الاقتصاد الجزائري و بطلها في هذه المرّة  شكيب خليل  وضحيتها سوناطراك و هي الشركة البترولية الأكبر على الإطلاق في الجزائر من حيث وزنها و ثقلها و رقم أعمالها ،و التي كانت  كانت و لا تزال مفخرة و صرحا كبيرا من صروح الاقتصاد الجزائري ، و قد تناولت وسائل الإعلام هذه القضية و تفاعلاتها بشكل مفصّل و مسهب و بنوع من الاستغراب المعتاد لأنها لا تعد الفضيحة الأولى ، فمن قبل كانت فضيحة بنك آل خليفة و فضيحة بي سي آر و غيرها من المؤسسات العمومية التي مسها الفساد و هو ما يدلّ على وجود بيئة إدارية و اقتصادية فاسدة و قد أسال هذا الكثير من الحبر و قيل حوله ما قيل و لكنه في النهاية لم يجد آليات الردع لحد اليوم و ربما الى مدى قصير و هو مما يستوجب مستقبلا وضع أسس و ميكانيزمات لمحاربة و مكافحة هذا الداء المستفحل ، و المساس ببيت هذه الشركة البترولية العتيدة هو الذي جعل الكل يتساءل من سياسيين و إعلاميين و وكل المجتمع المدني عن حجم و مدى الفساد الذي ينخر كيان الدولة الجزائرية و حجم العمليات غير المشروعة التي تتلاعب بأموال الدولة بملايير الملايير ، و كأنّ المال العام أصبح مشاعا حتّى من الذين من المفترض أن يكونوا هم الساهرين عليه ، رغم أن الدولة الجزائرية قد وفّـرت لهم كل الإمكانيات المادية حتى لا يدخلهم هوس الاحتياج ، و لكن في النهاية النتيجة كانت واحدة .

حيث أنّ رئيس الجمهورية استاء كثيرا لما يحدث من تلاعب بالمال العام في العديد من المرّات و قد تابع هذا الملف على أنه ملف أمني ، حيث وصله شخصيا ملف حول صفقات مشبوهة يقوم بها مسئولون في هذه الشركة النفطية لصالح شركات أجنبية من صفقات و عمولات و تعاملات ، غير أنّ اغتيال العقيد علي تونسي الذي كان يشرف على بعض الملفات عقّد الأمر اكثر و كان منذ سنوات الرئيس محمد بوضياف قد اغتيل عندما قرّر فتح ملفات الفساد و المحاسبة .

و من المهمّ كذلك  أن الوزير السابق شكيب خليل وقريبه و بعض مقربيه  و منهم –ابن شقيقته ، و كذا المدير العام محمد مزيان وهو المتهم رقم 1 من المتهمين ، و حتما ليس  لوحده في هذه الجرائم التي تعصف بكيان هذه المؤسسة الكبرى ينمّ عن حجم المؤامرة، و حجم الصفقات و التلاعب بالمال العام .

و لم ينف أي أحد كل هذا ، غير أن شكيب خليل وزير الطاقة و النفط  سابقا سارع إلى عقد ندوة صحفية لتبرئة نفسه و ليخبر الجميع عن عدم علمه بما يجري و استعداده للمثول أمام العدالة ، على حين أنه صرح في مرات بوصول شكاوي إليه بوجود صفقات غير قانونية و على ما يبدو وصلته قبل أن تصل إلى رئيس الجمهورية، مما يدعو إلى الاستغراب ، لماذا لم يفتح معهم تحقيقات قبل أن تصل الفضيحة إلى هذا الحد ؟.و قد تأكد بعد فراره ضلوعه فعلا في هذه الفضائح و لعلّه لا و بل من المؤكّد أنّ بعض النافذين الآخرين ضالعين معه . و قد كانت بعض القضايا الأقل حجما تلفق إلى بعض المسؤولين او يتحملها لآخرون مقابل وعود ، و لكن يبدو أنّ الملف ثقيل جدا في هذه المرّة  .

و هذا الملف  يعتبرهو الأضخم والأثقل، حسب ما تسرب إلى حد الآن إلى الصحافة الوطنية، التي قالت إن التحقيق القضائي على مستوى محكمة سيدي امحمد سيشمل أزيد من 1600 مشروع تم منحها بالتراضي لشركات محلية وأجنبية وجميع عمليات الشركة منذ تعيين محمد مزيان في منصبه سنة ,2003 مع التركيز على المناقصات والمشاريع التي منحت بالتراضي بدون إعلان مناقصات وفق الصيغ القانونية المعمول بها في قانون الصفقات العمومية. كما أن محاولة شكيب خليل التخفيف من وقع الصدمة حينها و التي استفاق عليها القطاع النفطي في الجزائر بقوله إن المتهمين، بمن فيهم محمد مزيان، أبرياء إلى غاية إثبات إدانتهم جعل بعض المحللين يؤكدون على أن خليل حاول التقليل من هول الفضيحة حتى لا نقول التستر عليها، رغم أنه يعلم بحجمها ويعلم أنها فضيحة هزت السلطة و الشعب  داخليا و خارجيا وقد أقرت مصالح الأمن المختصة فعلا بوجود فضائح في بيت سوناطراك تفوق التصور، وهو أمر خطير .و مما  يشار إليه أن التحقيق الأمني في فضيحة سونلغاز بدوره أطاح بعدد كبير من الإطارات في الشركة وإطارات أخرى في هذه الوزارة بعد أن ثبت تورطها في إبرام صفقات غير قانونية سببت خسائر كبيرة للشركة. و لغاية الأسبوع الفارط فتحت قضية شراء فيلا مهترئة ببجاية بمبلغ يفوق 20 مليار سنتيم لسونلغاز بأمر من شكيب خليل و هي لا تساوي 5 ملايير و على ما يبدو ان البائع هو صديق ابن الوزير السابق و قد اقتسما المبلغ لاحقا .

وإذا  كانت هذه الأموال و غيرها  قد ذهبت إلى حيث لا نعلم و إلى جيوب المافيا الأخطوبوطية  و المختلسين من مصاصي المال العام و التي قد لا تعود إلى الخزينة العامة ،و هو ما قد يعطّل من عجلة التنمية  . ألا يمكن متابعتهم ؟.

بيد انّ التساؤل الذي يمكن أن يطرح إلى متى  لا تكون هناك مؤسسات حسابية و رقابية لها سلطتها برلمانية و رئاسية تسند إلى أناس نزهاء ، و متى يطّـلع المجتمع المدني و العدالة و الصحافة و غيرها من مؤسسات مسؤولة و واعية بأدوارها الرئيسية في كشف المفسدين قبل أن يقوموا بجرائمهم و فعلتهم  التي لا تغتفر .

و على الرغم من وجود نصوص قانونية تحارب الفساد و الوقاية منه إلا أنّ تفعيلها يبقى منقوصا مالم تتوفر الارادة السياسية و التوعية الضرورية للتصدي لهذه الظاهرة .

 

هل يمكن استرجاع الموال المنهوبة ؟

 

يرى بعض المحللين و المراقبين أنه من الصعب استرجاع مثل هذه الأموال  لأسباب و منها صعوبة و تعقيدات الاجراءات القانونية  و تعمد بعض الدول عدم ارجاعها لأنها تستخدمها في اقتصادياتها و لكن ذلك لا يعد مستحيلا ، إذ استطاعت بعض الدول استرجاع أموالها المهرّبة نحو الخارج و من أمثلتها :

مالي :حيث قدمت الحكومة المالية سنة 1998 التماسا قضائيا الى سويسرا في اطار متابعة الديكتاتور موسى تراوري من أجل استرجاع الأموال المنهوبة طيلة فترة حكمه و تمكنت من استرجاع ما يقارب 1.5 مليار فرنك سويسري.

نيجيريا : استرجعت ما قيمته 820 مليون دولار من سويسرا و 500 مليون دولار مهربة في بريطانيا و 90 مليون دولار في فرنسا .

- أنغولا : استرجعت من سويسرا ما يقارب 21 مليون دولار كانت مهربة من العام 1979 الى عام 2005 .

-  العراق استرجعت ما يقارب 1.7 مليار دولار

إضافة الى دول اخرى ، إذا فالآلية الدولية لمتابعة التهريب و الفساد موجودة و ذلك على الرغم من صعوبتها .

و هذه امثلة قليلة من الكثير ، اذ تعاني الكثير من دول العالم الثالث من هذه الظاهرة ، الا أنّ عملية استرجاع الأموال مشروط بمجموعة من العوامل و منها :

-         توفر الارادة السياسية .

-         الدبلوماسية القضائية القوية .

-          متابعة الاجراءات .

 كما يؤكد بعض الحقوقيين و المحللين الاقتصاديين أن العملية باتت أسهل في السنوات الأخيرة لأن نشاطات الفساد عادة ما تموّل الارهاب العابر للحدود و ترتبط بعصابات المافيا المالية الدولية ، و أصبحت الكثير من الدول تقوم بمراقبة دقيقة لمصادر هذه الأموال و التأكد إن كانت نتيجة معاملات قانونية و شرعية أو العكس و خاصة الأموال القادمة من الخارج، و لا تتردد هذه الدول في تجميدها حال الريبة في مصادرها كما أن عمليات تبييض الأموال و النهب و الاختلاس جرّمها القانون الدولي  و يعاقب عليها  و قد استطاعت تونس استرجاع أموال كثيرة من التي هربها الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في دول أوربية إضافة الى عقارات و غيرها .

و فيما يتعلق بالجزائر فيرى المختصون أنّها من أكثر الدول عرضة لتهريب الأموال و تحتلّ كما ذكرنا سابقا المرتبة الرابعة افريقيا لكن يتوجب اصلاح منظومتها القانونية حتى تكون في موقع قوة حين تطالب باسترجاع أموالها المنهوبة أو تجميدها و خاصة أنّ المحاكمات التي تمت في قضايا تتعلق بالفساد و منها مجمع سوناطراك شككت في سمعة الجزائر من حيث انتشار الفساد و معاقبة المتسببين فيه ،لأن الوقاية و العلاج يبدأ من محاربة الفساد في الداخل اولا ، و هذا ما أكّده بعض الحقوقيين .

فالأموال المهربة من قبل بعض الأسماء مثل شكيب خليل و فريد بجاوي و عبد المؤمن خليفة و غيرهم هي في النهاية أموال كان من الممكن استغلالها في تحديث عجلة التنمية و مشاريع كبرى لخدمة المجتمع و الشعب  و لكنها نهبت من قبل أفراد قلائل  و كان من الممكن منع ذلك أصلا أو تداركه.

 

 

 

 
  عـــداد الـزوار 37135 visitors -Copyright.....WWW.BAIZID-YOUCEF.FR.GD  
 
WWW.BAIZID-YOUCEF.FR.GD --------- All rights reserved --------- Tous droits réservés--------كل الحقوق محفوظة لصاحب الموقع ------BAIZID YOUCEF Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement