ملفات تحت المجهر :
.. الملف النووي ..
" الغابة التي نعيش فيها "
بقلم : بيزيد يوسف
لا تزال معادلة الصراع و القوة و التنافس تطرح نفسها مجددا مع حدوث أي أزمة دولية ، حيث دون ريب لم تنته الحروب و لن تنتهي ما دامت الحياة تعج بالصراع ،، و لذلك دأب الانسان على العمل من أجل التفوق و القوة و على امتلاك الأسلحة التي تحميه و تضمن له البقاء في مقابل هزيمة الآخر و لربما إبادته .
و بما أن الحروب و الأزمات و معادلة الصراع لا تزال قائمة على الرغم من التغيّر في أنماط و نسق المعادلة إلا ان آلية الحرب و الصراع و الأزمات واحدة تفاعلت مع الحرب الباردة و لاتزال تداعياتها قائمة الى اليوم و بما أن السلاح و التسلح النووي قضية حيوية في أي بؤرة توتر و في أي نزاع يحتدم الجدل حوله في المنابر الدولية و تتداول ملفاته في المجالس الأممية ، و خاصة الملف النووي الاسرائيلي في مقابل الملف النووي الايراني و تأثير ذلك على التوازن الاستراتيجي محليا و دوليا و لذا فقد ارتأينا أن نسلط الضوء عليه و تحديدا على الصعيد العالمي و آثاره و تداعياته و حروب التكنولوجيا و الجوسسة و المخابرات و حيل الاستراتيجيات العسكرية و ملايير الدولارات و الأدمغة التي تخطط لكل ذلك في ظل عالم متحضر و لكنه دون ريب تلك " الغابة التي نعيش فيها "
الغابة التي نعيش فيها
و هو الوصف الذي أطلقه الفريق أول سعد الدين الشاذلي في كتابه الخيار العسكري العربي ، حيث كتب :" بالرغم من أننا نعيش في نهاية القرن العشرين ، و بالرغم من أن البشرية تدّعي أننا نعيش عصر التمدن و التقدم .فإن صفات البشر في هذا القرن لا تختلف كثيرا عن صفاتهم في العصور الغابرة . إن القوة هي عنصر أساسي للبقاء و الحرية .و إن دخول الأسلحة النووية كعنصر في الصراع بين الدول قد ادخل متغيرات جديدة في العلاقات الدولية بصفة عامة ، و بين الدولتين العظميين بصفة خاصة ...".. و لكن المفارقة ان هذا الصراع المحتدم تستخدم فيه تكنولوجيا فائقة و ذكاء خارق ، ففي حين أن تكاليف تصنيع غواصة نووية عالية التدمير تقدر بملايين الدولارات تصرف من أجل التسلح هو ذاته المبلغ الذي يكفي سداد حاجيات لتعليم مئات الألاف من الأطفال في العالم المتخلف. لقد أصبح العالم برميل متفجر من القنابل و الأسلحة النووية و الصواريخ حيث تخصص ميزانيات ذات أرقام فلكية من قبل الدول المتطورة و ذلك لإنتاج و تطوير البحث العلمي في هذا المجال و قد استطاع في الوقت المعاصر أن يصل الانسان إلى انتاج أسلحة فتاكة و وسائل جهنمية لإدارة الصراع وفق استراتيجيات دقيقة فكّر فيها منذ قرون مضت. ففي وقت مضى كتب أحد منظري السياسة " كلاوزفيتش " يقول إن الحرب يجب أن تكون مطابقة للنوايا السياسية و بهذا المعنى الشامل فهي قيادة مجمل العمليات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و العسكرية وفق تصور محدد للمصلحة الوطنية " حيث يرتبط التصور الاستراتيجي لمعنى الحرب و الذي تطورت آلياته .
و لكن قبل البدء في استعراض الصراع النووي نرجع الى البدايات الأولى له ففي المحصلة الهدف من الحرب هو الانتصار و الحصول على المكاسب و كسر شوكة العدو .
مشروع مانهتن :Progect Manhattan
في عام "1934 اكتشف عالم ألماني أن انشطار ذرة اليورانيوم يحدث بسرعة ، ويولّد كمية هائلة من الطاقة ، و يمكن أن يحدث انفجارا هائلا . و قد أخذ الألمان بتطوير هذه الفكرة و الاستفادة منها في تصنيع القنبلة النووية ،لم يسترع ذلك اهتمام أحد إلى أن قامت ألمانيا بإيقاف تصدير اليورانيوم من مناجم تشيكسلوفاكيا المحتلة آنذاك من قبل الألمان .
و في الثاني من أوت من العام 1939 و قبل بداية الحرب العالمية الثانية قام "ألبرت انشتاين "بكتابة رسالة الى الرئيس الأمريكي" روزفيلت" واصفا فيها الطاقة الهائلة التي تنتج عن الانشطار النووي الى قنبلة نووية ، و اينشتاين هو عالم ألماني المولد ، يهودي الديانة ، ترك أوربا قبل استلام هتلر للسلطة في ألمانيا ،و قد عارض اينشتاين استغلال الطاقة النووية لتصنيع الاسلحة ، و كان يخشى من امتلاك المانيا النازية له قبل الولايات المتحدة .
و لذلك عقد قادة الجيش الأمريكي العزم على امتلاك هذه التقنية مهما كلف الأمر ،فأخذوا يبحثون عن بناء يصلح كمختبر لإنتاج القنبلة النووية ، بحيث يبعد 200 ميل أي أكثر من 300
كيلومتر على الأقل على الحدود البحرية الدولية ، و يجب أن يبعد كثيرا عن التجمعات السكانية ، لأن أي خطأ قد يكلفهم الكثير من الخسائر البشرية .
و استقر أخيرا رأيهم على مدرسة للأولاد في أرض صحراوية في ولاية نيومكسيكو في منطقة تعرف باسم جورنادا في مشروع عرف باسم جورنادا ديل ميورتو Jornada del Muerto و تم تعيين روبرت اوبنهايمر على رأس فريق من العلماء في مشروع عرف بمشروع مانهاتن السري ، و أخرجت بذلك الى الوجود أول قنبلة نووية أسقطت على اليابان في السادس من أوت عام 1945.و التاسع من نفس الشهر و نفس السنة و اطلق على القنبلتين الاولى اسم الصبي الصغيرThe Little Boy و الثانية اسم الرجل الضخم The Fat Man و خلفتا ما خلفتا من الدمار .
إنتشار السلاح النووي
و لكن في الواقع كان لاكتشاف الولايات المتحددة للنووي و استخدامه تأثيرا منقطع النظير على تطور السباق نحو التسلح و لذلك سعى الاتحاد السوفياتي سابقا لامتلاك هذا السلاح الفتاك و بالتالي استطاع أن يعلن عن ذلك 29 أوت 1949 و هي أول قنبلة انشطارية روسية ثم التحقت بقية الدول بالركب بالنادي النووي و منها بريطانيا و فرنسا و الصين و الهند و باكستان و اسرائيل و كوريا الشمالية ، كما تذهب أوساط اخرى الى تقدير 35 دولة نووية في العالم .
و في ذات الوقت كانت كل من اسرائيل و جنوب افريقيا تقوم باختبارات نووية مع مطلع الخمسينات مع احتمال امتلاك دول أخرى لأسلحة نووية كإيران و استراليا و جنوب افريقيا و اسرائيل علما ان كوريا الشمالية أعلنت امتلاكها للنووي في العام 2005 م دون التصريح عن معلوماتها و لذلك فإن معدل الانتشار يعكس مدى التلهف لإنتاج هذا السلاح و تطويره ،و ذلك على الرغم من وجود مجموعة من الاتفاقية للحد من لنتشار مثل هذه الأسلحة و لكنها تبقى إشكالية عويصة تنطلق من المعايير التي تطبق من خلالها إضافة الى المنظومة القيمية و القانونية ، و هذا الجدل كثيرا ما يطرح في المنابر الأممية و خاصة فيما يتعلق بملف ايران النووي و مصير منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية و النووية و من المعلوم أن من مبررات الحرب على العراق سنة 2003 و هو النووي و الكيماوي ، و لا تزال هذه النغمة تعزف لحد اليوم و خاصة مع الحرب الدائرة في سوريا و تحوّل ميكانيزمات القوى في العلاقات الدولية بين الفينة و الأخرى ، لقد صرّح احد السياسيين معلقا على مطالبة الدول الكبرى لدول أخرى بالامتناع عن البحث أو تصنيع السلاح النووي و نهيها ، قائلا : مثلهم كمثل الأب الذي يدخن علبة سجائر أمام أولاده و ينصحهم بعدم التدخين و يعلمهم مخاطره . بيد أنه في منظور القوى العظمى لا يمكن الرجوع بعجلة التاريخ الى وقت مضى و لكن يمكن الحد من ذلك . لقد تعرضت دول مثل ايران لهجمات إعلامية كبيرة و لضغوطات دولية متتالية من أجل مزاعم لم تثبت بعد على ّأنها تمتلك السلاح النووي , في حين أن اسرائيل تمتلك ترسانة نووية و لم تثر أي جدل أو لغط فيما يتعلق بأمن المنطقة أو الدوافع الانسانية وراء ذلك و هذا ما يجرنا للحديث عن ازدواجية المعايير التي تتعلق بهذه القضية .
التسلح النووي الاسرائيلي

في أول ديسمبر 1974م أعلن " أفرام كاتسر " رئيس دولة اسرائيل أمام مجموعة من الكتاب :" لقد كان هدفنا دائما تطوير امكانياتنا النووية . و الآن فإننا نملك هذه الامكانيات " كان هذا أول تصريح ، و هو أحد المواضيع المثيرة للجدل داخل البلاد العربية و خارجها .
ففي العام 1963 بدأت فرنسا بناء مفاعل ذري في ديمونة في اسرائيل طاقته 24 ميغاوات، و أصبح جاهزا للعمل في العام 1965م و حاليا لا تقف اسرائيل عند تطوير السلاح النووي ، بل تمتد صناعتها الى وسائل نقل هذه الأسلحة من قنابل و صواريخ و من أشهرها الصاروخ النووي "جيريكو"Jerico إضافة إلى امتلاكها الى طائرات متطورة لإلقاء القنابل و ترسانة من الصواريخ أرض-أرض و أرض-جو و جو-أرض .
و يشير الدكتور حمد بن عبد الله اللحيدان في مقال حول الترسانة النووية الأمريكية الى أن الاستراتيجية النووية الاسرائيلية مرت بمراحل حيث كتب :"و على الرغم من التحفظ الإسرائيلي حول قدراتها النووية إلا أن بعض مراكز الدراسات الاستراتيجية و الصحف العربية قدرت أن اسرائيل تملك ما بين 100 الى 200 راس نووي و عزّز من هذه التقديرات الخبير النووي " موردخاي فانونو" عام 1986م ، و مع ذلك ظل الاسرائيليون لا يشهرون السلاح النووي و إنما يجعلون الآخرين يشعرون بظله ، و البعد من ذلك أن بعض الدراسات تصنّف اسرائيل في المرتبة السادسة عالميا من حيث القدرات "
و لقد قامت اسرائيل ببناء قوتها النووية من خلال عدة مراحل و من أهمها :
المرحلة الأولى :1943-م 1963م توفير الوقود النووي و بناء الكوادر العلمية و الفنية و التعاون مع الدول الخبيرة في المجال
المرحلة الثانية :1963م-1966م الاعداد للبرنامج النووي و التعاون مع الدول المتقدمة مثل أمريكا و جنوب افريقيا و فرنسا
المرحلة الثالثة : 1966م-1986 م الانتاج الفعلي للسلاح النووي و ايصال رسالة للعرب بأنهم أصبحوا تحت رحمة النووي الاسرائيلي
و تعمل في هذا البرنامج النووي مؤسسات لها علاقة مباشرة بالأبحاث النووية و من اهمها :مؤسسة الطاقة الذرية الاسرائيلية و هي تابعة لوزارة الدفاع أو الحرب الاسرائيلية تأسست عام 1952 م و هيئة تطوير وسائل القتال و المجلس القومي للحوث و التطوير عام 1960 و جمعية الأشعة الاسرائيلية و غيرها من المؤسسات التي تعمل على رفع القدرات الاستراتيجية النووية الاسرائيلية .
لقد عملت اسرائيل على تحقيق القوة الذاتية و ضمان التفوق من خلال الاستعانة بحلفائها و منهم الولايات المتحدة فإسرائيل استخدمت القوة في تحقيق طموحاتها و لتحقيق مفهوم الدفاع الوقائي و منه ضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981 م و قد أصبح شغل اسرائيل الشاغل هو امتلاك الخيار النووي كعنصر ردع و في ذات الوقت لا تنصاع لأي معاهدة حتى و إن وقعت عليها لكسب الوقت ، لذلك تنفرد اسرائيل بالقوة النووية في المنطقة و هو ما يؤكد مخاوفها من المشروع النووي الايراني و لو لأغراض سلمية .
لقد عملت اسرائيل على احاطة برنامجها النووي بالتكتم و التعتيم و عدم الاعتراف بامتلاك أسلحة نووية و عدم نفي ذلك أحيانا أخرى و هو منطق التردّد العمدي لإرباك الآخر ، و على العكس نجد بعضا من الدول العربية إذا امتلكت الواحدة منها مفرقعة أو اشترت أسلحة لم تصنعها ملأت الدنيا صراخا و مفاخرة على إنجاز لم تحققه ابتداء من صواريخ القاهر و الظافر و انتهاء بصواريخ صدام حسين التي كانت وبالا عليه .و بالمقابل لم يتقدم أي مشروع نووي عربي مماثل في المنطقة على الرغم من طموحات جمال عبد الناصر في وقت مضى و محاولة العراق تطوير المفاعلات النووية التي عملت اسرائيل على اجهاضها بكل الطرق و تشجيعها الحرب على العراق لتثبيت آلية توازن القوى لصالحها في المنطقة و لعلّها حاليا تحاول بنفس السيناريو مع ايران ، لكن الأمر قد يختلف كثيرا نظرا لمجموعة من المؤشرات و العوامل يمكن الاشارة اليها في البرنامج النووي الايراني لاحقا. حيث تتجدّد المفاوضات فيما يتعلق بالملف النووي و خاصة بعد تغيّر القيادة في ايران بوصول حسن روحاني للرئاسة مما يتيح فرص أكبر من المرونة للغرب للتفاوض مع إيران .
.

مردخاي فعنونو سنة 2009
|
مردخاي فعنونو: بالعبرية: (מרדכי ואנונו (ولد 14في أكتوبر 1954، بمراكش ) وغير اسمه ليكون جون كروسمان، هو خبير نووي إسرائيلي من أصل مغربي، عمل في مفاعل ديمونة وبعث لصحافيين صورا من داخل المفاعل ومعلومات عن القدرات النووية الإسرائيلية، معلومات سمحت لمختصين نووين أن يقروا بوجود قوة هائلة من الأسلحة النووية لدى إسرائيل.
قام الموساد باختطافه في روما بعد ان لجأ لبريطانيا و ذلك لنقله لتل أبيب و محاكمته بعد كشفه عن أسرار مفاعل ديمونة النووي ,
ايران و الملف النووي
لا تزال البحوث النووية الايرانية و مشاريعها تلاقي جدلا واسعا في الأوساط الدولية حول طبيعتها و أهدافها ،و قد شكّل الملف النووي الايراني محادثات طويلة بين الدول الكبرى و على رأسها الولايات المتحدة و ايران و لا يزال الملف لحد الساعة الشغل الشاغل للكثير من السياسيين .
يبلغ عدد سكان حسب آخر الاحصائيات أكثر من 73 مليون نسمة و تقدر مساحتها بحوالي 1,647.000 كلم 2 و هي ذات موقع جيواستراتيجي هام ، و كانت منطقة صراع حيث خاضت حربا ضروسا ضد العراق ، و باتت محط انظار الدول الغربية و خاصة بعد نجاح الثورة الاسلامية و وصولها الى السلطة بقيادة آيات الله الخميني رحمه الله .و قد عملت على بناء قوة اقتصادية و عسكرية و تعاونت مع روسيا و الصين و دول اخرى في مجال استيراد التكنولوجيات المتطورة ، و هي حاليا تصنّع أنواعا متطورة من الصواريخ مثل شهاب 3 التي تصل الى 2000 كلم و شهاب 4 و غيرها من الأسلحة المتطورة ذات رؤوس دقيقة التكنولوجيا من حيث التوجيه و الادارة و السيطرة بصناعة ايرانية بحتة ، و لها قدرات عالية و تطلعات لإنتاج و لربما تخصيب اليورانيوم كما أعلنت لأغراض سلمية و تتخوف بعض الدول أن يكون ذلك لأغراض تسلحية ، علما أن ايران من الدول الموقعة على الاتفاقيات المتعلقة بالحد من انتشار الأسلحة النووية ، و الجدير بالذكر أن وكالة الطاقة الدولية قامت بعمليات تفتيش في بعض المفاعلات النووية الايرانية و لكن ترى واشنطن انها غير كافية .
و من أبرز المواقع النووية الايرانية :
بوشهر : محطة لتوليد كهرباء بالطاقة النووية ، حيث بدأ برنامج ايران النووي في العام 1974 مع بدء برنامج لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في بوشهر ، بمساعدة ألمانية ، و قد تم الغاء المشروع بعد الثورة الاسلامية في ايران بعد خمس سنوات ، لكن البرنامج عاد لآفاق عام 1992 م حين وقعت طهران اتفاقا مع روسيا و ثمة مفاعلين للمياه في الموقع ، أحدهما يوشك على الانتهاء بحسب التقارير
ناتانز : و هي محطة لتخصيب اليورانيوم و يعتقد أنه يضم حوالي 50 ألف من أنابيب نقل الغاز المتطورة مما يسمح بإنتاج 20 سلاح نووي كل عام
اراك : و هي محطة للمياه الثقيلة و هي تستخدم لغرضين و منهما انتاج البلوتنيوم للاستخدام لبناء قنبلة نووية ,,
و على كل يبدو أن ايران تمضي قدما في تطوير قدراتها لأدراكها لمدى أهمية التطور العلمي مما أدى الى خلاف مع بقية الدول الغربية حول الملف النووي .و قد دخل هذا النزاع مرحلة جديدة بدأت مع تغيّر القيادة بوصول الرئيس حسن روحاني لسدة الحكم .
وفي وقت مضى كشفت صحيفة "باساور نويه بريسه" الألمانية النقاب عن تقارير لشعبة المخابرات الألمانية (بي ان دي ) تفيد بوجود دلائل على احتمال تمكن ايران خلال أشهر من صناعة قنبلة نووية ، و نسبت الصحيفة الالمانية الى مشاركين في اجتماع نظم بين ممثلين عن شبكة المخابرات و مسؤولين في وزارة الخارجية الألمانية قولهم أن رئيس جهاز المخابرات في ذلك الوقت "أرنست أرلاو" أكد في الاجتماع على وجود دلائل تعتبر سببا كافيا لإثارة القلق من خطط القيادة الايرانية النووية ، و كشفت ذات الصحيفة عن خبر قيام كل من المانيا و فرنسا و بريطانيا بالدعوة الى تشكيل تحالف دولي لرفع وتيرة الضغط على ايران لإقناعها بتغيير مواقفها ، و تجدر الاشارة الى تلك الدعوة كانت اصطدمت بالمواقف الروسية و الصينية الذي يرى انه لا جدوى من احالة الملف الى مجلس الامن الدولي و تتفقان مع ضبط النفس و مواصلة المفاوضات ,,
علما ان ايران كانت قد بنت ترسانة عسكرية منذ عهد الشاه و تطورت إلى مستويات عالية مع الثورة الاسلامية ،و هو ما أدى الى تزايد الانتقادات الغربية لها و خاصة من قبل الولايات المتحدة الامريكية ، فمنذ بداية الثورة الاسلامية كانت العلاقات جد متدهورة و خاصة مع أزمة الرهائن الامريكان ثم مساعدة الولايات المتحدة للعراق أثناء الحرب العراقية –الايرانية لخلق توازن مع الجارة ايران ، و بانتقالها لمجال البحوث النووية خلقت أزمة جديدة ، فمصالح الغرب مع ايران ليست عسكرية فحسب بل اقتصادية و هو ما حاولت بعض الدول الغربية الحفاظ عليه لأنه من المؤكد ان ايران ستتحول بعلاقاتها مع الصين و روسيا ،
اذ انه بعد الكشف عن المشروع النووي الايراني تبنت الولايات المتحدة سياسة عدائية ضد ايران مطالبة بطرح الملف النووي الايراني على مجلس الأمن الدولي ،وسط تكهنات بالتخطيط لضربة عسكرية تصيب المفاعلات لنووية الايرانية و كنا في وقت سابق قد قمنا بدراسة حول المشاريع العسكرية المحتملة لضرب ايران و نشرت في جريدة التحرير اليومية ، و لكن هذا الخيار لا زال مستبعدا .
و المنطق الاقرب للترجيح هو السياسة الخارجية القائمة على الانتقاء و هو المتمثل في نزع السلاح و هو ما يستخدم مع ايران حاليا و لكنه فشل مع كوريا الشمالية و كان مبررا لغزو العراق من قبل ، و يتسم هذا السلوك في السياسة الخارجية بمنطق ازدواجية المعايير و المنطق الاقرب الى العملي بحسب وجهة نظري التحليلية هو الدبلوماسية الوقائية و ذلك انطلاقا من منطق الاقناع و المفاوضات و صولا الى العقوبات الاقتصادية و لا تستطيع الولايات المتحدة الخروج من هذا المنطق حاليا نظرا لجملة من العوامل و من أهمها :
- العمق الاستراتيجي البري لإيران ،حيث تبلغ مساحتها اكثر من المليون و النصف المليون من الكيلومترات المربعة و هو ما يستبعد العمل العسكري نظرا للطبيعة و التضاريس
- المد الايديولوجي الشيعي و تماسك بنية النظام السياسي الايراني مع ضعف المعارضة الداخلية في ديناميكية الواقع السياسي
- ثورة شيعة جنوب العراق مما سيؤدي الى انتشار مدى التوتر
- امكانية رد الفعل العنيف في المنطقة و خاصة تجاه اسرائيل مع امتلاك ايران لصواريخ متطورة قد تصيب القواعد العسكرية الامريكية و قلب تل أبيب
- ترجيح استعمال الولايات المتحدة لضربات استباقية جوية و ليست برية لأن تكاليف الضربة البرية ستكون مرتفعة جدا ,
و لكن في ظل تصريحات للرئيس الايراني الاسبق محمود نجاد في منتصف سنة 2006م الذي اكد ان ايران ستلتحق بالنادي النووي و مع عجز الولايات المتحدة عن الضربة الاستباقية حاليا و عجزها عن تحقيق ذلك مع كوريا الشمالية و مع ايران لحد الساعة رغم انطلاق مفاوضات جنيف في هذا الشهر أكتوبر 2013 م ، فهل ستقوم الولايات المتحدة بضرب المفاعلات النووية الايرانية ؟ ام ستعيد السيناريو العراقي ؟ و دون ريب هذه التساؤلات تدور في خلد مخططي السياسة الاستراتيجية الامريكية و رأينا ذلك في السيناريوهات لضرب ايران في مقالات سابقة سواء الأمريكية او الاسرائيلية ، و لكن الواقع الدولي إضافة الى مجموعة من العوامل الأخرى هي التي ستحدّد منطق السلوك الأمريكي و خاصة مع التغييرات التي حدثت في وزارة الدفاع الأمريكية ، و أولا و أخيرا بعد فشل منطق القوة في العراق ، و بالتالي ستبقى إيران عقبة كأداء في وجه الولايات المتحدة و خاصة اسرائيل في المنطقة و ستعمل اسرائيل على ازالتها بكل الوسائل
و لكن التساؤل الذي يطرح في ظل النووي الاسرائيلي ، أليس من حق ايران امتلاك التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية ، بل أليس من حقها أن تستخدمها لأغراض التسليح ما دام السلاح النووي موجود أصلا في المنطقة ؟الاجابة في الأوساط العامة ،بلى ،ما دامت إسرائيل تمتلكه مما يؤدي الى خلق توازن في المنطقة ، و لكن الاجابة عند دول الغرب : كلى بحجة المعاهدات الدولية و بمنطق أن النظام الايراني قد يستخدمه لنشر التطرف ، و بين هذا و ذاك و على الرغم مما تعرض له البرنامج النووي الايراني و الاغتيالات التي تعرض لها علماء النووي الايراني تبقى مستمرة في برنامجها .. و بين هذا و ذاك يستمر الجدل ، فهل ستستجيب ايران للمطالب الامريكية مع تغيّر القيادة أم ستمضي قدما بمنطق المراوغة في تطلعاتها التي تبدو سلمية و ضرورية للأبحاث الطاقوية و الطبية ناهيك عن امكانية استخدامها عسكريا ؟
و ما بين منطق العصا و الجزرة تبقى الدبلوماسية الأمريكية تبحث عن حل و مخرج لهذا الملف لا يكلفها ما كلفها في العراق ,
و خاصة ان الاتحاد الأوربي لا يزال يراهن على الاستثمارات داخل ايران او على الاقل الصفقات التي يمكن أن تعقد و خاصة على خلفية العقوبات الاقتصادية الامريكية و على الرغم من ان ايران واحدة من الدول القليلة التي لم تبرم اتفاق مع الاتحاد الاوربي بسبب انتقاد الاتحاد لسياسة ايران في مجال حقوق الانسان و محاربة الارهاب ، فايران تعتبر سوقا جذابة للاستثمارات اذ هي غنية جدا بالموارد الطبيعية .
و في مقابل ذلك لن تستطيع السياسة الاوربية التخلي عن مساندة الولايات المتحدة الامريكية بشأن هذا الملف و لا تريد في ذات الوقت أن تخسر علاقاتها الاقتصادية المستقبلية معها و التي تتزايد حظوظها بوصول الاصلاحيين للسلطة في ايران و في كل مرة
علما أن الجولات المتتالية و التي جرت مؤخرا في جنيف أظهرت ليونة مقارنة بالمواقف السابقة حيث أعلنت ايران عن استعدادها لقبول الزيارات المفاجئة .

التطلعات النووية العربية
في حين لا تزال الكثير من الدول العربية لا تفكر لحد الآن في الاستخدامات النووية للطاقة و ذلك لأنها تعوّل على البترول بالدرجة الأولى. و لكن نظرا لآلية الصراع العربي –الاسرائيلي طرحت هذه المسألة في الستينات على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من قبل قادة مصر العسكريين ، عندما أكدوا له بأن إسرائيل امتلكت النووي أو في طريقها لامتلاكه ، فردّ عليهم بأنه إذا استخدمت إسرائيل النووي فسوف نستخدمه ، و ربما قصد الاستعانة بالدول الصديقة لمصر و ليست عملية صنعه طبعا .
لقد سبق و أن قام العراق ببناء مفاعلات نووية و تطلّع لامتلاك هذا السلاح وكلفه ذلك الكثير .حيث تزايدت الشكوك بامتلاكه له عقب حرب الخليج الأولى للعام 1991 م، و لكن لجان التفتيش الدولية لم تؤكد ذلك رسميا الى غاية نهاية القصة كما يعرفها الكثيرون بضرب العراق العام 2003 م ، و في الواقع كان العراق قد تعرض لضربة اسرائيلية في العام 1981
عملية بابل- المشفّرة- لتدمير النووي العراقي :
تمت العملية من قبل سلاح الجو الاسرائيلي يوم الأحد 7 جوان 1981 م على الساعة الرابعة من بعد الظهر حيث أقلعت 14طائرة اسرائيلية من أحد مطارات سيناء المحتلة متجهة الى بغداد لتدمير المفاعل النووي العراقي من طراز ايزاراك Isirak و قامت بمهمته و كانت على مجموعتين الأولى تحمل قنابل و الثانية صواريخ و لم تستغرق عملية التدمير سوى دقيقة واحدة و مرت الطائرة على الأراضي الاردنية و السعودية و العراقية لمدة 90 دقيقة دون أن تضربها طائرة عربية أو صاروخ عربي واحد ذهابا و ايابا علما ان هذه الدول مزودة بطائرات أواكس و تجهيزات كبيرة .
و لحد اليوم تبقى القدرة العربية النووية شبه معدومة مع اشاعات عن ليبيا سابقا و سوريا و غيرها و لكنها لا تفيد بأي شيء ملموس سوى الفرقعات الاعلامية و على الرغم مما أشيع عن إعادة إحياء مصر لمشروعها النووي إلا أنها بعد ثورة ما أطلق عليه الربيع العربي تبدو أبعد من ذلك بكثير فعلى الرغم كذلك من تجربتها و توفر العوامل الرئيسية إلا أن الارادة السياسية غائبة و غير واضحة في ظل صعوبات اقتصادية كبيرة .
ففي حين استطاعت بلدان مثل الهند و الباكستان امتلاك السلاح النووي لا يزال النووي و حتى للأغراض السلمية بعيد المنال و بالمقارنة نجد أن القوة النووية العربية تكاد تكون معدومة مقارنة بإسرائيل ، بل و مقارنة بإيران في مجال البحوث النووية ، على الرغم من أن الدول العربية تعلم أن المحروقات موارد غير متجددة ، إلا انها تقدم ريعا بتروليا مربحا و أكثر رواجا و الكثير من هذه الدول لا تكاد تفكّر فيه لأنها موقعة على اتفاقيات دولية بالإضافة الى القيود و الرقابة الدولية ، و على الرغم من أن الدول العربية لا تقع تحت المظلة الأمريكية في حال وقوع حرب نووية مثلما هو حال كوريا الجنوبية في حال وقوع حرب مع كوريا الشمالية ، إلا ان الدول العربية لا ترى ضرورة او جدوى منه , و لكن الحال قد يتغيّر بعد عشرات السنين .
فمتى ستفكّر الجيوش العربية و معاهدها الاستراتيجية في امتلاك عوامل القوة و العسكرية و النووية خاصة منها ؟ ستبقى تساؤلات دون شك مطروحة لآجال قريبة و بعيدة . لأن آليات التفوق ليست عسكرية فحسب بل ترتبط بمقومات و بنى و هياكل عديدة اقتصاديا و عسكريا و سياسيا و غيرها من المجالات ،، و لكن تطوير القاعدة الدفاعية يبقى دون شك من الأولويات في عالم صراع القوى أو ضمن غابة الصراع " الغابة التي نعيش فيها " في القرن الواحد و العشرين و نهاية المتاهة دون ريب عند استخدام هذه القوة هي الفناء للجميع ،،إنها قوة الفناء و الدمار " على الرغم من أن امتلاكه سيكون عامل ردع فحسب و ستبقى الدول الصغرى تحت طائلته ، الى أن تمتلك الفيتو و السلاح الاستراتيجي و المطالبة حينها بدمقرطة العلاقات الدولية على أساس الند و ليس الضعف .
الجزائر و المغرب و التجربة النووية
تشير مجموعة من التقارير الى أن الجزائر حاولت منذ وقت تطوير قدراتها في الطاقة النووية اذ تتوفر على مركزين نووين أو مفاعلين ، الأول و هو الأقدم و هو مفاعل عين وسارة في الجلفة في الجنوب الجزائري و هو تحت رقابة عسكرية و يعتقد أن الجزائر طورت العمل به مع الصين ، و لكن التصريحات الرسمية تؤكد أنه مفاعل نووي للطاقة السلمية و لا علاقة له بأغراض التسلح ، علما أنه يوجد في الجزائر كميات معتبرة من اليورانيوم في أقصى الجنوب في الطاسيلي بتمنراست ، و قد كانت الولايات المتحدة و جهت في العام 2001 م تلميحات بشأن البحوث النووية و اتهم التقرير العسكري الامريكي الجزائر بالسعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل ، مشيرا الى أن حجم انفاقها على التسلح بلغ 1.9 مليار دولار عام 1999 م كما ارتفع في العام 2000 م الى ما يقارب 2 مليار دولار و من المتوقع ان يصل عام 2014 م الى 14 مليار دولار. كما يحتل الجيش الجزائري مرتبة معتبرة بين جيوش العالم حاليا بالمرتبة 38.
و ذكر التقرير الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية في واشنطن :" إن حجم الإنفاق على التسلح يبلغ مداه في الجزائر ، فهي تحاول تخطي مرحلة امتلاك أسلحة تقليدية الى أسلحة دمار شامل و اعتبر التقرير أن أعمال العنف التي شهدتها الجزائر- العشرية السوداء- أرغمتها على زيادة النفقات العسكرية .
كما يوجد مفاعل نووي في درارية التي تبعد حوالي 20 كلم غرب الجزائر العاصمة ، و تؤكد الجزائر بأنه لأغراض سلمية .
و الحال أن المغرب حاولت كذلك أن تحصل على مساعدة صينية لإنجاز مفاعل نووي لخلق توازن بحسب وجهة نظرها .
و في مقال بعنوان المغرب يستعرض عضلاته النووية نشرته جريدة الشروق اليومية الجزائرية في عددها 1856 يوم السبت 02 ديسمبر 2006 م جاء ما يلي :" بعد يومين فقط من عرض ايران " المساعدة النووية " على الجزائر أكدت اول أمس يومية ليكونميست المغربية أن المفاعل النووي المغربي الثاني من طراز "تريغا مارك" الذي يتربع على مساحة 4000 متر مربع ، و على بعد حوالي 25 كيلومتر عن الرباط ، بالقرب من مدينة القنيطرة ,,,و هذا و قد تكفلت الولايات المتحدة بنسبة 30 بالمئة من التركيب المالي للمشروع ... و سبق لجريدة "اوجردوي لومارك" ان نشرت ملفا بهذا الخصوص تحت عنوان " النووي " بوتفليقة ليس أهلا للثقة ؟ و خلصت لكون الجزائر تمتلك قدرات تمكنها من انتاج قنبلة نووية " و قد اعتبر المحللون أن هذه المعلومات عبارة عن مغالطات و مزايدات مرتبطة بالتخوف من سيطرة الجزائر على المنطقة و فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية .
إن الصراع الاستراتيجي لما بعد الحرب العالمية الثانية فرض واقعا دوليا جديدا غيّر من معادلات الصراع ، بل من خارطة العالم بأسره و لكن التداعيات و التفاعلات لا تزال قائمة لحد اليوم و هذا السباق الحثيث من أجل التفوق لن يتوقف حتما ،و يفترض المنطق ازالة أسلحة الدمار الشامل من المنطقة بأسرها نظرا لمدى حساسية منطقة الشرق الوسط كبؤرة من بؤر التوتر ، إلا أنه بامتلاك اسرائيل للسلاح النووي و التي لن تتنازل عنه و ستسعى لعدم امتلاك أي دولة اخرى في المنطقة له فإن اختلال موازين القوى سيبقى مستمرا ، و ستظل الضغوطات المفروضة على ايران مجرد تطبيق لنموذج من ازدواجية المعايير لن تحد من البحث عن الممنوع بل يمكن أن تزيد في البحث عنه .